نحن وطارق والصندوق

قام زميلنا الأكاديمي القدير طارق العلوي بكتابة بحث شائق على صفحة كاملة (القبس 17 أغسطس) لخص فيه أزمة تمويل مشاريع التنمية! وعلى الرغم من كم المعلومات الشائقة التي تضمنها المقال، ووجهات النظر السديدة التي حاول الدفاع عنها، فإن فائدة المقال ومتعته ضاعتا في آخر فقرة منه عندما ذكر: «ونحن وإن كنا مع محافظ البنك المركزي في عدم تعريض نظام الاستقرار المالي للخطر، فانه، ومن دون هذه البدائل، سنجد أنفسنا مجبورين أن نقول للشيخ أحمد الفهد وللعم أحمد السعدون وبقية الأخوة الأعضاء: لقد أعطيتم للمركزي كل الفرص ورايتكم بيضاء، والآن سيروا على بركة الله في مشروع الصندوق الوطني، ونحن معكم على طول الخط.. حتى ونحن لا نعلم مقدما كم سيكلفنا تمويل هذا الصندوق من مبالغ أو ما هو أثره لاحقا في الاستقرار المالي الذي ينشده سعادة المحافظ»!!
لا يلام الزميل الفاضل على موقفه الأخير، ولا نشكك هنا بحسن نيته وإخلاصه، ولكن من الواضح أنه غير ملم بما فيه الكفاية بطريقة عمل شركات المقاولات وتشابكها وارتباطها الوثيق بالبنوك.
فصندوق دعم مشاريع التنمية، الذي وجد زميلنا الفاضل أنه سيجد نفسه مجبرا في نهاية الأمر على الموافقة عليه، بصرف النظر عن تكلفته النهائية(!!) أمامه أحد طريقين: إما فتح الباب لكل من يريد المشاركة، أو قصرها على الشركات المصنفة رسميا. فإن اختار الاحتمال الثاني فهنا أيضا يكون أمامه طريقان لتمويل المشاريع: إما أن يعطي الشركات ما هي بحاجة إليه حسب توصيات أو أوامر محددة، أو أن يخضعها لنظام قانون المناقصات. وإن تم اختيار نظام المناقصات فهنا أيضا عليه المفاضلة بين: إما السماح للشركات بتقديم عروض التنفيذ من دون الحاجة لأي كفالة مصرفية، وإما أن تكون العروض مصحوبة بكفالة مصرفية. فإذا وقع الخيار على عدم ضرورة الكفالة فمن الذي يضمن تقيد المقاول بسعره في نهاية الأمر، وعدم انسحابه أو اعتذاره في حال ارتفاع أسعار مواد البناء مثلا؟ وكيف يمكن تلافي التأخير الناتج عن إعادة الطرح بعد ضياع أشهر ثمينة؟ وإن كانت الكفالة ضرورية فمن الذي سيصدرها غير البنك؟ وكيف يمكن لأي مصرف إصدار كفالة بغير دراسة، أو ضمان كاف؟ كما أن أي مقاول بحاجة الى دفعات نقدية مقدمة لا تقل عن %10 من قيمة أي مشروع، فهل سيقوم الصندوق بسد حاجة المقاولين من الأموال نقدا؟ وإن كان الجواب بنعم فما الذي يضمن حسن تصرف المقاول وعدم اكتفائه بقبض العشرة أو العشرين في المائة وعدم تنفيذ المشروع؟ وإن أصر الصندوق على كفالة فمن غير المصارف بإمكانه القيام بذلك؟ وما الإجراء الذي سيتخذ بحق من قبضوا الدفعة الأولى وتخلفوا عن التنفيذ؟ هل سيتم تشكيل لجان عفو عن هذا ومعاقبة آخر؟
إن الموضوع برمته ليس بتلك السهولة التي يتصورها البعض، ولولا ذلك لما اعتذرت إدارة الصندوق الكويتي للتنمية عن القيام بالمهمة، وهذا دليل على ذكائها ونزاهتها، فهل وصلت الرسالة، وماتت فكرة الصندوق إلى الأبد؟ نتمنى ذلك. وهنا أيضا لسنا مضطرين لتأكيد حياديتنا، فمعيارنا هو المنطق وليس أمانة هذا الطرف أو سوء نية الطرف الآخر.

***
• ملاحظة:‍ توفي الاستاذ أحمد السقاف عن 91 عاماً، ولكنه لم يمت، فقد ترك تراثاً أدبياً يُقرأ، وتاريخاً وظيفياً يلمع، وذرية رائعة تبدع.

الارشيف

Back to Top