السيدة الصبيح ومقررات «التربية»

يتكون العقل الجمعي لأي مجتمع من مجموعة مؤثرات خارجية تساهم، بنسب متفاوتة، في تشكيل هذا العقل وصقله. وفي العصر الحديث تقوم المناهج الدراسية بالدور الأساسي في تشكيل هذا الوعي. وكلما زادت دكتاتورية أو أوتوقراطية أي مجتمع، أو نظام حكم، زادت شدة ذلك التأثير بسبب زيادة نسبة التركيز على أمور قمعية محددة في مناهج تلك الأنظمة. وقد شاهدنا في العقود القليلة الماضية، تطبيقات على ذلك في الأنظمة الشيوعية في الصين ودول الكتلة السوفيتية، وفي الأنظمة الدينية، وبالذات في إيران وإلى حد كبير في أفغانستان ومناطق كثيرة أخرى في باكستان من خلال ما يدرس من مناهج بدائية في عشرات آلاف المدارس الدينية في هذه الدول. وما نشاهده الآن من تطرف ديني من مجموعات هائلة من الشباب المسلم المتحمس لنصرة دينه، وأحداث كشمير والهند، وقبلها جريمة 11 سبتمبر وما تبع ذلك من عمليات القتل الانتحارية في العراق وأفغانستان وباكستان ما هي إلا نتاج لما كان يدرس في تلك الكتاتيب المتخلفة من مناهج متطرفة تعادي الآخر ولا تكتفي بتمني فنائه بل وتسعى لتحقيق ذلك بمختلف الطرق والوسائل.
ومن هذا المنطلق لم يكن غريبا أبدا ذلك الرأي والقرار الواضح الذي توصل إليه أعضاء اللجنة التشريعية في البرلمان الكويتي، وفي غالبيتهم من أبناء المدارس والمعاهد والكليات الدينية الحكومية، والذي تعلق بعدم دستورية وجود «سيدتين سافرتين» ضمن الحكومة الكويتية، وكونهما، بحكم المنصب، أعضاء في مجلس الأمة! فهذا الرأي المستهجن من البعض والمستغرب من البعض الآخر ليس فيه ما يعيب على ضوء ما تم تعليمه لمئات آلاف طلبة المدارس الحكومية وحتى الخاصة، وعلى مدى عقود عدة من الزمن، عن مكانة المرأة في المجتمع! فقد ورد في كتاب «التربية الإسلامية»، الصادر عن وزارة التربية للصف الثاني عشر (الثانوي)، وهو لا يختلف كثيرا عما سبق أن درسه أعضاء اللجنة التشريعية في مدارس ومعاهد الدولة عندما كانوا طلبة يافعين، ما يكفي لجعل بقاء السيدة وزيرة التربية في منصبها المرموق نوعا من المخالفة الصريحة لكل فكر وعرف وعقيدة تدرسها كتب الوزارة نفسها.
ففي الصفحة 74 من الكتاب ترد الفقرات التالية: «والاختلاط بالرجال «ضرره معروف»، فلو خالطت المرأة الرجال لكانت سهاما تتراشقها العيون وحينئذ تختلط الأمور وتذهب رسالة المرأة بددا، وذلك أمر تأباه «الفطرة السليمة والعقول الراشدة»، فالحجاب صيانة لعفة المرأة وحفظ فطرتها»!
وهذا يعني بوضوح ومن دون لبس، وبعظمة لسان كتاب رسمي مقرر من وزارة التربية الكويتية، أن كل من وقف ضد قرار اللجنة التشريعية هو ضد عفة المرأة وضد فطرتها السليمة، ولا عقل رشيدا لديه! وان كل غير محجبة، في رأي خبراء وزارة التربية ومصلحيها وقادة فكرها، غير عفيفة، وكشفها لشعر رأسها لا يحفظ فطرتها.
هذا المقال ليس شخصيا، فنحن نكن للسيدة الصبيح، «أم عادل» الكثير من الود والاحترام. ولم نورد اسمها إلا للدلالة على مدى سطوة القوى الدينية وعمق تغلغلها في كل مقرر ونشاط تربوي.

الارشيف

Back to Top