كيف انتهى لبنان؟

اعترف بأنني لم اتبرع بشيء للبنان بعد حربه، أو محنته الأخيرة في الصيف الماضي، كما لم اشجع احدا على التبرع، لا بل ومنعت البعض الآخر من ذلك، واعتقد بان الكثيرين الذين غلبهم الحماس في حينه، والذين تسرعوا، إما بالتبرع السخي، وإما بالمشاركة في مشاريع عمرانية، أو تنموية طويلة الأمد، قد ندموا الآن على حماسهم الزائد في حينه.
سبب موقفي هذا نابع من أمرين: اعتقادي بأن تلك الحرب كانت كارثة اقتصادية وعسكرية وبشرية بكل معنى الكلمة، ولم تكن نصرا إلهيا أو أي شيء من ذلك القبيل، وبالتالي لم يكن من الحكمة التعجل بالمشاركة في تخفيف مسؤولية الطرف الذي كان السبب في وقوع الكارثة، كما ان لبنان الذي نعرف، ونحب ونهيم به عشقا، قد تغير، ربما الى الابد، واصبح بالتالي التبرع له، أو حتى التعاطف معه، عبثا وجهدا لا طائل من ورائه إن تجاوز إطاره الإنساني على المستوى الفردي، بعد ان اصبح قسم كبير من شعبه، ولظروف قاهرة، يشارك كبار سياسييه وموظفيه في عملية التشبيح!! فلبنان الذي كان مجرد امتلاك مرقد عنزة فيه حلما، عاد مرة أخرى، وبسبب تلك الحرب بالذات، وما سبقها بطبيعة الحال من حروب، وطنا طاردا، للمعدم والغني وللكفء والبسيط، وللصادق والمحتال!
ولبنان الذي كان يوصف بسويسرا الشرق أصبح مدينا بما لا طاقة له به. ولبنان الذي كان قبلة الطالب والمريض والسائح الباحث عن المتعة والراحة والطعام الطيب والهواء العليل اصبح عكس كل ذلك بعد ان نهش الغلاء جيوب مواطنيه، وخربت المعاناة نفوسهم، وقضت المشاكل اليومية على مصداقية غالبيتهم، قولا وفعلا، وانقلبت حيرتهم اليومية من: اين نتعشى هذا المساء، في الجبل أم على الساحل؟ الى: من سيكون الضحية هذا اليوم؟ أو كيف سأتمكن من تحصيل قيمة احتياجاتي الضرورية!!
نعم، لقد كان لبنان دائما وطنا طائفيا، وكانت الطائفية سبب جميع محنه وحروبه منذ مائتي عام تقريبا وحتى حرب شوارعه الأخيرة. ولكن عدم تجذر الطائفية في نفوس بعض زعمائه ومواطنيه من جهة، ومحبتهم للبنان من جهة أخرى، رجحت دائما كفة التعقل والمصلحة العامة، على كفة التابعية للطائفة تارة وللقوى الخارجية تارة أخرى، ولكن كل ذلك تغير بعد ان اصبح الولاء الطائفي والولاء للغير يشمل كل اللبنانيين تقريبا، بحيث اصبح يتقدم على الولاء للبنان الوطن!! واصبح حرق جزء من لبنان ليس فقط أمرا لا يعني الكثيرين من هم خارج ذلك الجزء، بل اصبح امرا مرحبا به أحيانا إن كان سيؤدي للقضاء على المنتمين لطائفة معادية!
وعليه، لا اعتقد ان لبنان سيعود يوما، على الاقل فيما تبقى لي من عمر، الى نصف ما كان عليه من بهاء وجمال واطمئنان، والاهم من ذلك، من تسامح!! قد يرى البعض في هذا الكلام قسوة غير مبررة، وهذا ليس دقيقا بالضرورة، فلنا في لبنان، وسيبقى دائما، احبة واهل وارض ومال وحلال، وبالتالي فخسارتنا في ضياع لبنان افدح من خسائر الكثيرين الذين سيتصدون للرد علينا، نقول ذلك واتمنى في الوقت نفسه ان نكون على خطأ في كل ما ذكرناه.

الارشيف

Back to Top