يخاف ولكن 'لا يختشي

يعتقد الكثيرون أن مشكلة المرور كان يمكن حلها، لو كان مدير المرور شخصا فذا، أو كان وكيل الوزارة المسؤول عن هذا القطاع صاحب عقل جبارِ والحقيقة أن المشكلة أكبر من هذا وذاك، واختصارها في تغيير افراد واستبدال رموز تبسيط مخل، فالمشكلة أكثر تعقيدا من ذلك بكثير! فالنظام السياسي الذي يسير الآلة التنفيذية لا يمتلك الرؤية المستقبلية التي يمكن أن تساعده على التخطيط المسبق لانشاء طرق جديدة وتحسين الموجود منها لتتواكب مع عملية زيادة السكان، من مواطنين ومقيمينِ وما يعنيه ذلك من نشوء خلل واضح بين الزيادة المستمرة لعدد المركبات الجديدة وبين ماهو متوافر لها من طرقِ فقد مرت أكثر من عشرين سنة على انشاء آخر طريق رئيسي في البلاد في الوقت الذي تنزل فيه إلى الشوارع أكثر من 20 ألف مركبة جديدة سنويا!
كما عمت البلاد في السنوات الأربع الأخيرة موجة كبيرة من الانتعاش الاقتصادي نتيجة لما قامت قوات التحالف في الكويت والعراق بضخه من أموال طائلة، إضافة الى الأموال الاضافية التي نتجت عن ارتفاع أسعار وقود البترول في العالم، وهذه كلها أسهمت في زيادة النشاط الاقتصادي وزيادة حركة المرور على الطرقات واكتظاظ الشوارع والطرقات بالمارة والمركباتِ
كما يوجد عامل آخر يتعلق بالخليط العجيب الذي يقوم بقيادة المركبات في الكويت، وما يضاف له من مصائب المبرقعات والمنقبات! وما يعنيه ذلك من انعدام الانسجام بين مستعملي الطريق من ناحية اللغة والثقافة المروريةِ فمنطلقات وطريقة قيادة المصري او الكويتي لمركبته مثلا تختلف عن طريقة قيادة الأوروبي أوالقادم من جنوب شرق آسيا، فما بالك وعدد جنسيات مستعملي الطرق في الكويت يزيد عن 120 جنسية وثقافة مختلفة؟! علما بأن لغة السائق الكويتي الصامتة تتلخص في كونه على حق لأنه ابن البلدِ أما اللغة الصامتة لغالبية سائقي المركبات من الآسيويين، مع استثناء البنغلادشيين، فإنها تتلخص في كونهم على خطأ دائما، وهذا يخلق لديهم ترددا في القيادة يسهم في عرقلة الحركة وتباطئها في كل اتجاهِ
ولقد كانت مخالفات الطريق، وخاصة في غياب رجل المرور، تقترف عادة من الكويتيين بشكل خاص، ولكن لوحظ في الفترة الأخيرة أن عدد الذين يشاركونهم في ذلك من غير المواطنين في ازدياد مستمرِ وجميع هؤلاء يصبحون أكثر من جيدين في وجود رجل الشرطة، وهذا يعني أنهم يخافون ولكنهم لا يختشون أو يخافون!
أما الطامة الكبرى التي تعرقل عمل أي مسؤول يتولى قيادة حركة المرور في الكويت فتكمن في الافراد المناط بهم مسؤولية التواجد في الشارعِ فنوعيتهم وخلفياتهم التعليمية والثقافية تجعل من شبه الاستحالة خلق آلية موحدة تدفعهم للعمل المؤسسي في ظل التجاذب والتوسط والتدخل النيابي الذي يشمل، أو يشل، البلاد بكامل رعايتهِ
قبل ان نوجه اللوم لمدير عام المرور بسبب الاختناقات المرورية، وقبل ان نحمل وكيل وزارة الداخلية المساعد المسؤول عن المرور المسؤولية عن أخطاء باقي قطاعات الدولة من أشغال وبلدية وتربية وداخلية، فإننا يجب ان نسأل أنفسا: هل نحن حقا سائقو مركبات مثاليون؟ الجواب سيكون حتما ب'لا' كبيرة من غالبيتنا! فلسان حالنا يطالب الآخر بالالتزام أولا! ولكن إن لم نبدأ فلن يبدأ الآخرون، والمشكلة فينا نحن وليس في هذا المدير أو ذلك الوكيل، وإن صلحنا سيصلح غير المواطن بصورة تلقائية، وطريقة قيادتنا لمركباتنا في أوروبا وأميركا خير برهان!

الارشيف

Back to Top