احتلال هنا وتحرير هناك

كنت اعتقد ان وقتا طويلا سيمر قبل ان نرى من يقوم بإحراق العلم الاميركي في الكويت ويطالب باغلاق سفارتها لدينا وان يقوم في الوقت نفسه بالهتاف بالعمر المديد لحسن نصر الله اللبناني، امين عام حزب الله، ولكن يبدو اننا سنعيش طويلا لنرى الكثير مما تحمله الايام من مفاجآت.
في صيف عام 2000 غادر وفد شعبي كبير الكويت على طائرة خاصة متجها الى لبنان لتهنئة شعبه بتحرير ترابه من الاحتلال الاسرائيليِ وكنت واحدا من افراد ذلك الوفد الذي بدأ فور وصوله بالمرور على مختلف القيادات اللبنانية لتهنئتها بالمناسبة.
وفي صبيحة اليوم الثالث من وصول الوفد اتجهت السيارات التي تقل افراده الى منطقة الضاحية الجنوبية لزيارة السيد حسن نصرالله الذي اعتبره الكثيرون بطل تحرير جنوب لبنان.
بالرغم من معارضتي الشديدة لمرافقة الوفد، ومطالبة من كان معي في السيارة بالاتجاه بي الى الفندق، وكان بينهم موسى الصراف وعبدالله الطويل والزميل علي البغلي، فإنهم اصروا على ارغامي 'بلطف' على مرافقتهم، وهكذا كانِ وعند وصولنا الى المقر دخل الجميع وبقيت في الخارج لفترة قاربت الساعتين وانا واقف على رجلي في جو معاد لنفسيتي رافضا الدخول لتحية من كنت اعتقد انه لم يكن يوما يتكلم باسم لبنان او يعمل لمصلحته، بقدر ما كان يعمل بنفس ديني طائفي وبأوامر خارجية! ولم يطل الوقت كثيرا لنكتشف حقيقة معدن السيد، فقد كان موقفه اثناء حرب تحرير العراق مع بقاء صدام وضد التدخل الاميركي، وهذا من حقه، ولكنه كان ايضا معاديا للكويت بشكل قاس ومتطرف، لا لشيء الا لوقوف الكويت مع من حرر ارضها مرة من احتلال حقير وبغيض ومرة ثانية عندما حررها من وجود من كان يهدد كيانها برمته!
ان الاحداث الاخيرة التي جرت في لبنان، وما جرته من كوارث بشرية ومادية يصعب تقديرها، لا يمكن ارجاع اسبابها فقط لطموحات واحلام ورغبات شخص واحد قرر في صباح يوم ما، ودون استشارة احد، توريط وطنه وامته وشعبه في نكبة لا اول ولا اخر لها، ولكنها حتما نتيجة اوامر صادرة من طرف آخر لا يعني له لبنان ـ وشعبه وموسمه السياحي ومورد رزقه وخزانات وقوده وكهرباء بيوته وخبز يومه ـ شيئا امام مصالحه العليا! وما رأيناه في الايام الاخيرة من ذلك الحجم الرهيب لترسانات اسلحة حزب محلي في بلد صغير، بين بما لا مجال للشك فيه ان تسليحه كان يتم لسنوات للحظة المناسبة التي تكون في مصلحة ذلك البلد الخارجي الذي ينادي بتحرير ارض عربية هنا ويقوم باحتلال اخرى هناك!
** *
ملاحظة:
في الكويت التي لا تزيد مساحتها على 18 الف كيلو متر والتي بالكاد يبلغ عدد سكانها المليون عشنا، ايضا بما يكفي، لنكتشف ان بيننا في هذا الوطن الصغير سلفيين وسلفيين علميين وانصارا للسيستاني ومؤيدين للشيرازي وتحريريين ومقلدين للخامئني ومناصرين للصدر وبدريين واخوان مسلمين وحماسيين وانصارا لحزب الدعوة وجهيمانيين وغير ذلك من الفرق والشيع الدينية المتطرفة ونصف المتطرفة وكلها تدعي ان الحق معها، وهي على استعداد لبذل المال والدم، وحتى الروح، في سبيل ما تعتقد! من المؤسف ان نكون على هذا القدر الفاضح من الجهل بحيث لا يكتشف سياسيونا مدى اقترابنا، يوما بعد يوم، من شكل ونظام الدولة الدينية التي مزقت لبنان وتمزق العراق الآن، وفي سبيلها الى تمزيق اكثر من بلد عربي ومسلمِ ولو نظرنا الى خلفية انتصار اكثر من نائب في برلمان الكويت لوجدنا تنظيما دينيا او اكثر يقف وراء ذلك النصر!

الارشيف

Back to Top