ذاكرة الرئيس المثقف

قام الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي، والذي يوصف عادة بالمثقف، والذي يتقن العربية والانكليزية والفرنسية، وربما الالمانية، اضافة الى لغته الام، بإلقاء محاضرة في مكتبة البابطين بعنوان 'تحديات العالم الاسلامي وسبل النهوض'، وهنا سنلقي الضوء على بعض ما جاء فيها من نقاط: ذكر اولا أن ظهور نظام غربي من النوع العنصري والفاشي في الشرق الاوسط، وهو يقصد اسرائىل هنا، جعل العالم الاسلامي يعيش الرعب وعدم الاطمئنان منذ نصف قرنِ وان هذا ادى الى ازدهار مراكز الانتاج الاقتصادي والصناعي والسياسي الغربي على حساب رأب الصدع الناجم عن التخلف السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعلمي في المنطقة(!)ِ لا ادري من اين اتى الرئيس المثقف بمثل هذا الكلامِ فتخلفنا، في جميع الميادين سابق لوجود اسرائىل بكثيرِ كما ان تقدم الغرب كان سابقا للأمر نفسه، وتعود جذوره الى اكثر من قرنين على ذلك الحدث.
لا ينكر الا جاهل دور الغرب في قيام اسرائىل، ولكن دورنا، كدول شرق اوسطية في بقائها قوية ومنيعة لا يمكن نكرانه كذلكِ فحروبنا الداخلية وانقلاباتنا المستمرة، وفساد الطبقة السياسية تقريبا في كل دول الشرق الاوسط، بما فيها ايران القديمة والحديثة، لا يمكن اتهام اسرائىل بكونها السبب وراءها، او المتسبب فيها، وبالتالي ليس من المعقول تصويرنا كملائكة ابرياء، او سذج بلهاءِ هل نسي السيد خاتمي ان نظام الشاه السابق كان من اكبر داعمي اسرائيل، وكان من اول المعترفين بها من دول العالم الاسلامي؟ وهل نسي دور الكثير من دول المنطقة العربية والاسلامية، كتركيا، في تقوية وضع اسرائيل ومنحها كل التسهيلات اللوجستية؟ ثم تطرق الى نقطة ثانية مهمة تتعلق باعتقاده بقضية تضخيم الخلافات بين دول العالم الاسلامي وتهويلها، وخلق حالة من الخوف اللامبرر من الآخر وجعلها في صدام مع بعضها البعض، وان هذه الامور، واخرى غيرها استنزفت طاقات العالم الاسلامي وشكلت حجر عثرة امام تطوره!!
كلام جميل ولكن، ألم يكن السيد خاتمي رئيسا لإيران، الجارة الشقيقة والمسلمة، لفترة ثماني سنوات كاملة، كانت اثناءها دولته في صراع سياسي مع جميع الدول العربية تقريبا على خلفية الجزر الخليجية الثلاث المتنازع عليها مع دولة الامارات؟ ألم يساهم هذا الخلاف في استنزاف طاقة العالم الاسلامي، وبالرغم من ذلك، لم يحاول حل الخلاف على الجزر عندما كان في السلطة؟ ترى هل يعتقد السيد بأن لإسرائيل علاقة بهذه القضية ايضا؟
ثم تطرق الى موضوع عاملين 'هدامين' اثرا برأيه اكثر من غيرهما في تخلف العالم الاسلامي، وهما الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي! حتى الامس كنت اعتقد ان العرب هم فقط الذين يلقون باللوم على الاستعمار في كل ما يعانيه من مشاكل، والآن تبين من حديث السيد خاتمي اننا جميعا في الشرق وخمِ ويبدو كذلك اننا إما قراء سيئون للتاريخ، وإما اننا لا نود الاعتراف بواقعنا المؤلم لكي لا تبدأ عجلة الاصلاح بعدها بالتحرك ابدا.
فموضوع الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي لم يكن يوما مقتصرا على الدول الاسلامية فقطِ فالولايات المتحدة الاميركية كانت تعصف بها خلافات داخلية خطيرة ادت الى وقوع حرب اهلية فيها لا تزال آثارها باقية حتى اليومِ كما كانت مستعمرة بريطانية وفرنسية لسنوات طويلة، وكانت اسبانبا تمتلك اجزاء منها، والآن اين اصبحت تلك المستعمرة؟!
وكانت نتيجة الخلافات الداخلية التي عصفت بشبه القارة الهندية المستقلة حديثا من حكم استعماري امتد الى اكثر من 130 عاما فقد الملايين أرواحهم في صراعات وحروب نتج عنها تقطع اوصالها، وكل هذا لم يمنعها من ان تصبح اليوم واحدة من اعظم اقتصادات العالم ومستودعا للعقول المحاسبية ومبرمجي الكمبيوترِ والأمر ذاته يمكن قوله عن سنغافورة وتايلند واليابان والصين وكوريا، التي لم تكن شيئا قبل نصف قرن، واصبحت الآن كل شيء.
اما بقية ما جاء في كلمة السيد خاتمي، فحدث ولا حرج، وفهمكم يكفينا!!

الارشيف

Back to Top