قرار كبير

بدت مواضيع مقالاتي في الاسبوعين الماضيين على الاقل، وكأن صاحبها يغرد خارج السرب، فأي من مواضيعها لم يتطرق الى قضية الساعة، وهي الدوائر التي أدارت رؤوس الجميع، وبقيت كما هي؟!
يعود سبب ذلك لأن تلك المقالات كتبت قبل فترة من نشرها، ونشرت تباعا وأنا على مسافة سبعة آلاف كيلو متر بعيدا عن الكويت.
أينما ذهبت، الى لبنان أو لندن، وحتى في البرازيل، وكان هناك من يعرف الكويت، كان السؤال دائما عن قضية الدوائر الانتخابية، وكان واضحا ان هناك اهتماما شديدا بما كان ولا يزال يجري في دولة صغيرة كالكويتِ كما كان هناك جهل بحقيقة اوضاعها السياسية، وبالذات الانتخابيةِ وربما كان مصدر الاهتمام نابعا في جزء منه لكون الكويت الدولة الأقرب، ولو بمسافة كبيرة جدا، للديموقراطية بين دول الخليج الاخرىِ وكان ردي دائما يتلخص في ان الكويت دولة صغيرة فاحشة الثراء، ولديها حكومة لا تمتلك خطة واضحة بكيفية التصرف بكل ما تملك من ثروة، نقدية ونفطية، وشعبها صغير ولا يمتلك في غالبيته الحد الادنى من الثقافة العامة، دع عنك الثقافة السياسية، وكيفية احترام الوطن قبل كن الحب لهِ كما ينتمي شعبها، وبكل مجاميعه، لأطياف سياسية مختلفة ولأعراق وانتماءات دينية متعددة، وهي دولة معرضة، مثلها مثل بقية دول العالم الاخرى، لاستحقاقات حكم مستقبلية، طال امدها ام قصر، حيث ان دور البرلمان في كل ذلك ستزداد اهميته يوما بعد يوم، فإن الجهة التي سيكون لها اكبر عدد من النواب الاعضاء في المجلس القادم ستكون لها قوة اكبر في فرض رأيها، او إملاء شروطها مستقبلا، وعليه، فإن المعركة كلها تتعلق بالحكم، وما يعنيه ذلك من مال ونفوذ وقوة وسيطرة، وعلى ضوء ذلك، يمكن معرفة سبب استماتة البعض في السيطرة والتحكم في الطريقة التي سيقوم بها الشعب، او سيتم فيها اختيار اعضاء المجلس التشريعي القادم.
ولا يبدو على ضوء التجارب الانتخابية السابقة، والنظام الانتخابي الحالي، ان هناك صعوبة كبيرة في تحقيق سيطرة هؤلاء البعض على اكبر عدد من نواب المجلس القادمِ فعدد الكويتيين الذين سيشاركون في الانتخابات القادمة سوف لن يزيد عن 160 الف ناخب وناخبة في احسن الاحوالِ ولو تم تقسيم عددهم، بصورة تقريبية، على الدوائر الانتخابية الخمس والعشرين الحالية، لكان نصيب كل دائرة 6 الاف ناخب تقريبا، وبالتالي ليس من الصعب اغراء ما يكفي من الناخبين، ماديا او طائفيا، او قبليا، للتصويت في هذا الاتجاه او في غيره!
وهذا يعني في نهاية الامر اننا كلما قللنا من عدد الدوائر الانتخابية، ازداد عدد ناخبي كل دائرة بصورة تلقائية وما يعنيه ذلك من زيادة عدد المطلوب شراء اصواتهم او استمالتهم عن طريق اثارة مخاوفهم المذهبية والطائفية او القبلية او غيرهاِ وهكذا نرى ان الامر بمجمله يتعلق بمستقبل الكويت السياسي، ان لم يكن بوجودها كدولة ديموقراطية حرة، للسنوات المقبلةِ فبقاء عدد الدوائر بعدده الحالي يعني بقاء عوامل الإفساد السياسي كما هيِ وتقليل عدد الدوائر الى خمس او اقل من ذلك حتى سيساهم في شبه بروز دولة الكويت العصرية التي طالما تاقت لها نفوسنا لسنوات دون جدوى، حتى كلت أخيرا، والتي تتوق لها الآن نفوس شبابها وقبل ذلك شاباتنا.
***
ان مستقبل الكويت الآن ليس بيد مجلس الامة، كما يتمنى البعض، وليس بيد مجلس الوزراء، كما يشتهي البعض الآخر، وحل المعضلة السياسية لا يكمن في استجواب رئيس الوزراء، وانتهاء الازمة لا يكون بإحالة مشروع القانون للمحكمة الدستورية، بل الامر برمته يعود الى قرار كبير ينهي هذا الصراع السياسي الذي يكاد يفتك بما تبقى من وحدة هشة في البلاد.

الارشيف

Back to Top