من الذي سيفنى؟

قامت 'أمانة الوقف' في وزارة الأوقاف، التابعة للحركة الدستورية التابعة لجمعية الإصلاح التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين الدولي، بحملة دعائية ضخمة ملأت شوارع الكويت الرئيسية كافة تحمل رسالة محددة تتعلق بالدعوة للتعايش مع الآخر وقبول من يختلفون معنا في الفكر أو التوجه أو الرأي.
أن تأتي الدعوة متأخرة ثلاثين عاما على الأقل خير من ألا تأتي أبدا! ولكن لو استمع أو قرأ أو اطلع او فهم أو علم كل أولئك الذين تصدوا للتعليم والتربية وللوعظ والارشاد والتثقيف الديني لواحد في المائة مما سطرته أقلام الليبراليين طوال السنوات العشر الماضية فقط، وفي هذا الموضوع بالذات، لما وصلنا إلى الحال البائسة التي نحن عليها الآن من كراهية للآخر ورفض له ومسح لوجوده، ولما تطلب الأمر هذا الاستنفار المفاجئ، والمؤقت، في الاجهزة الحكومية أو التابعة لها، لنشر فضيلة التسامح بين المتعصبين وحثهم على قبول الآخر.
من الغريب حقا أن نكون بهذه الضآلة عددا وأهمية اقتصادية ومادية وإنسانية، سواء في مجال الاكتشافات أوالاختراعات أو المساعدات، ضمن هذا المحيط العظيم من البشر الذي يزيد على ستة مليارات من الأنفس البشرية، ونصر في الوقت نفسه على أننا الأفضل والأشرف والأطهر والأحسن والأخير بينهم جميعا، مما يدفع الغالبية الجاهلة منا لرفض قبول الآخر أو التسامح معه أو حتى مجرد التعامل معه إنسانيا! كيف يمكن أن نبرر، بغير عامل الجهل المفرط، أننا من طينة غير طينة البشر الآخرين؟ وكيف نبرر أن ما نؤمن به من اعتقادات، أو ما نعرفه عنها، هو الأفضل؟ وكيف يمكن أن نبرر رفض الكثيرين منا لطعام الآخر وملبسه ومسكنه وحتى للسلام عليه لا لشيء إلا لأنه الآخر؟
ولو توقف الأمر عند حد رفض الآخر، كما كانت عليه الحال لقرون عديدة، لما اكترثت قوى العالم الصغرى منها والكبرى لما نحن عليه من جهل في الفكر والاعتقاد، ولتركنا، لقرون طويلة قادمة، على عمى بصائرنا وأبصارنا!
ولكن عندما قامت جماعة منا بالسير خطوة إلى الأمام في ترجمة هذا الرفض اللفظي او الفردي للآخر بصورة عنيفة، بحيث أصبح يتطلب التخلص من الآخر ماديا ومعنويا بصورة فردية او التسبب في توقيع أقصى الخسائر البشرية والمادية به في مرحلة لاحقة، كما حدث في الحادي عشر من سبتمبر، ومن ثم محاولة إبادته بصورة جماعية عن طريق أسلحة دمار شامل في مرحلة لاحقة! هنا أصبح تدخل الآخر القوي، بعد ان عجزت قوى المجتمع الليبرالي عن إحداث أي تغيير إيجابي في عقلية مجتمعه المتخلف أو كسب القوى الحكومية المؤثرة لجانبها واقناعها بوجهة نظرها، أصبح تدخل تلك القوى أمرا حتميا ولا مناص منه، بعد أن عجزنا، كأفراد وكجماعات، عن كبح جماح التعصب بين أبنائنا، 'فلذات أكبادنا'!! نشكر أمانة الوقف على تحركها، ونتمنى في الوقت نفسه أن تتحرك بقية قوى التخلف المسيطرة في المجتمع، ماديا وبشريا، وأن تحذو حذو أي كان، ولكن رحمة بنا!! فنحن الذين سنتضرر وسنخسر، وربما سنفنى في نهاية الأمر، وليس الآخر، هذا إن أصررنا على التمسك بالغريب والمستنكر من مقولاتنا!

الارشيف

Back to Top