وجهة نظر

تعتقد نسبة كبيرة منا، أو هكذا يتمنى البعض، بأن المجتمع الغربي عموما، والاميركي على وجه الخصوص، مجتمع منحل ومتفكك اسريا واجتماعياِ وان مجتمعاتنا بالتالي اكثر استقامة وتماسكا.
بالرغم من درجة النسبية العالية في مثل هذه الاحكام المسبقة، وفي ظل غياب الاحصائيات والمعلومات الضرورية، مع تباين وجهات النظر فيما يمكن ان يكون انحلالا او تفككا من مجتمع لآخر، فإننا لن نتطرق الى موضوع فساد وانحلال المجتمعات الغربية، لكي لا نزيد الطين الملوث بللا، فليس من الكياسة او الذكاء ان نصف من تغلب علينا في كل مجال، ومسح الارض بنا في كل ميدان بمثل تلك الصفات المقززة، فما عساه كان سيفعل بنا لو كانت مجتمعاته، من وجهة نظرنا، اقل تحللا واكثر استقامة؟
وعليه فإننا سنكتفي هنا بمناقشة مقولة ان مجتعاتنا الشرقية، والاسلامية العربية بالذات، اكثر احتشاما وتماسكا من الناحية الاجتماعية، والذي يتمثل، ضمن امور اخرى، في انخفاض معدلات الطلاق لدينا مقارنة بالمعدلات الموجودة في المجتمعات الغربية.
بالرغم من توفر المعلومات الكاملة عن حالات الطلاق في المجتمعات الغربية وعدم توفرها، للعديد من الاسباب، لدينا، فان الحقيقة تبقى ان ظاهرة الطلاق اقل انتشارا بينناِ ولكن لو امعنا النظر اكثر وقمنا بدراسة اسباب انتشار نسب الطلاق في المجتمعات الغربية وقلتها في المجتمعات العربية لتبين لنا ان الامر اكثر تعقيدا مما يعتقد الكثيرون!
فالطلاق، او ما يسبق ذلك من انفصال الزوجين في الفراش او المنزل، يعود بالمكان الاول، وخاصة في المجتمعات البروتستانتية المتقدمة كاميركا وهولندا وانكلترا واستراليا وغيرها، الى درجة الحرية المتاحة للفرد هناك ومدى ايمانهم بتلك الحرية، وهي الحرية التي نفتقدها كثيرا في حياتنا، رجالا ونساء! فعندما يجد احد الزوجين استحالة او عدم جدوى استمرار العلاقة الزوجية بينهما، مهما كانت درجة قدسية تلك العلاقةِ فان الانفصال بالطلاق او بغيره يكون الحل الاكثر انسانية وراحة نفسية للطرفينِ أما ما يحدث في مجتمعاتنا العكس تماما، حيث نجد زيجات كثيرة مستمرة ليس لكونها مبنية على السعادة والتفاهم والهناء، بل لاسباب كثيرة اخرى ابعد ما تكون عن السعادة او التراحم الاجتماعي المزيف الذي طالما تغنينا به.
فالخوف من كلام الناس ونقدهم، والاهل بالذات، وعدم توفر الامان المادي او القدرة على فتح بيت جديد، وشعور الرعب الذي يكمن في قلب كل ام من احتمال منعها من رؤية فلذات كبدها، ونظرة المجتمع الدونية للمطلقة، وامور مهمة كثيرة اخرى تجعل نسبة كثيرة من النساء تختار العيش بتعاسة تامة وفي ظل اوضاع مأساوية مهينة لكرامتها، ليس فقط لعجزها التام عن التصدي لتبعات الطلاق، بل وايضا لعلمها بأن الطلاق لا يمكن ان يتم بغير موافقة الزوجِ فالقوانين الشرعية في الكثير من دولنا لا تعطي المرأة حق طلب الطلاق لاي سبب تراه، وهو المتعارف عليه بحق 'الخلع'، أي حق الزوجة في الانفصال عن زوجها بالطلاق، دون ان يكون للزوج، كما جرى العرف، الحق في الاعتراض على ذلك.
ان الزواج، كما هو معروف، مؤسسة اجتماعية تهدف للتراحم والعيش بسعادة، وربما انجاب ذرية بعدها ان لم تمنع ظروف حدوث ذلكِ وعليه فان العلاقة التي تربط الزوجين تتطلب توافر الاحترام والحب بين الطرفينِِ وغياب اي من هذين الامرين او كليهما يجعل من استمرار الزواج في مرحلة ما امرا اشبه بالعيش في الجحيم.
خلاصة ما نود قوله هنا ان ارتفاع نسب الطلاق في مجتمع ما وانخفاضها في مجتمع آخر لا تجعل المجتمع الاول اقل سعادة واكثر انحلالا! كما ان انخفاض معدلات الطلاق لا يجعل من افراد مجتمع ما اكثر سعادة وتماسكا! فالعبرة في النهاية في مدى ما نشعر به من سعادة نتيجة وجود العلاقة الزوجية ومع من تكون، وليس في استمرار تلك العلاقة بالرغم من كل شيء.
ان هذا الامر، ضمن امور اخرى، هي التي تجعل غير المسلمين بشكل عام اكثر صدقا مع انفسهم والآخرينِ وهي الاسباب نفسها التي تجعلنا مرائين ومنافقين في علاقاتنا الاسريةِ وربما لن يمر وقت طويل لنكتشف ان احد اهم الاسباب وراء الجرائم الاسرية البشعة التي وقعت أخيرا، يكمن في ضيق مساحة الحرية المتاحة لكل طرف وتفضيلنا لاستمرار العيش، ولو بتعاسة، على الطلاق والعيش بسعادة!

الارشيف

Back to Top