'أبو عطيش' وال 'بي بي سي

تعتبر اذاعة البي بي سي، التي يرى الكثيرون انها استعمارية غوغائية محرضة وغير محايدةِِ ضمن اوصاف قبيحة كثيرة اخرى، المحطة الوحيدة المسموعة والموثوق بها على كامل نطاق العالم العربي.
تبث البي بي سي منذ فترة برنامجا تعليميا وتثقيفيا بعنوان 'مدرسة للبنات'ِ يهدف هذا البرنامج، ضمن اشياء ايجابية كثيرة اخرى، الى تغيير نظرة نسبة كبيرة من 'رجال الامة العربية الاسلامية الاشاوس' لموضوع مهم وحيوي وهو 'تعليم البنات'!! كما يظهر البرنامج، بطريقة غير مباشرة، اننا ربما نكون المجموعة الوحيدة في العالم التي تزداد لديها وسائل وادوات التحضر، في الوقت الذي يزداد فيه التخلف والتصحر!
على الرغم من الالم العميق الذي يصيب اي متابع لهذا البرنامج الاذاعي، لما يقوم بكشفه من حقائق وعادات اجتماعية سيئة واعتقادات خرافية تتعلق باوضاع الفتيات والنساء عموما في دولنا، فان البرنامج لاشك ادى، ولايزال يؤدي، خدمة كبيرة لفئات كثيرة من مجتمعاتنا المتخلفة التي لا اعرف ما يربطنا بها غير هذه اللغة اليتيمة!
ان بارقة الامل التي يحاول هذا البرنامج الايحاء بها سرعان ما تضيع في خضم هذا البحر المتلاطم من الجهل والتخلف الذي نعيش فيه، والذي يعود في جزء منه الى مترسبات الفكر الديني والفقر الذي يلف عشرات ملايين الجهلة من رجال وطننا العربي الكبير ونسائه.
تذكرت في هذا السياق قصة اخبرنا بها صديقنا 'ابوعطيش'، الذي هاجر الى دولة عربية اخرى بعد ان يئس من الحصول على الجنسية الكويتية، حيث اخبرنا، في أول زيارة له للكويت بعد الهجرة، وكان ذلك قبل سنوات طويلة، بانه حصل على وظيفة سائق اوتوبيس، او باص، لاول مدرسة بنات ابتدائية تفتتح في المنطقة التي اختار العيش فيها.
وقال ان الامور سارت سيرا حسنا معه في الاسبوع الاولِ ولكن سرعان ما اكتشف بعض متشددي المدينة ضرورة تغطية نوافذ الاوتوبيس لمنع الفتيات الصغيرات من النظر الى ما لا يسر خارجه، ومنع الرجال ايضا من البحلقة في وجوه فتيات المدرسة 'الابتدائية'.
وهكذا قامت ادارة المدرسة بتغطية كافة نوافذ الباص باللون الاسود، الامر الذي تسبب في اصابة 'ابوعطيش' بسوداوية غريبة.
ولكن الامر لم يقف عند ذلك الحد، فسرعان ما اكتشف المتشددون انفسهم ان الرجال 'وحوش جنسية' ويجب بالتالي حماية الفتيات الصغيرات منهم، وعدم تركه معهن في باص مغلق بشبابيك داكنة اللونِ وهنا اضطرت الادارة العامة للمدارس الابتدائية للخروج بفكرة عبقرية جهنمية خارقة تمثلت في قيامها بتوظيف زوجة 'ابوعطيش' كمرافقة او محرم له في الباص نفسه، تبقى معه وتعود معه الى البيت في نهاية الدوام لكي تمنعه من التصرف ك'وحش بشري جنسي!'.
وهكذا نجح ابو عطيش ليس فقط في الحصول على جنسية ووظيفة له، بل وتمكن، بفضل عقول متخلفة، من ايجاد وظيفة لزوجته.
ولكن سعادة 'ابو عطيش' لم تكتمل ابدا، فهو لم يتوصل قط الى تسمية صحيحة لوظيفة زوجته!
بالمناسبة، الوضع في تلك الدولة لم يتغير كثيرا عما كان عليه قبل سنوات.
***
ملاحظة:
اسوأ اعمال العنف في العالم لعام 2004، والسنة لم تنته بعد: 105 قتلى في اربيل ـ العراق (1/2/2004)، 100 قتيل في مانيلا ـ الفلبين (27 فبراير)، 41 قتيلا في موسكو، (24 فبراير)، 170 قتيلا في كربلاء ـ العراق (في 2 مارس)، 191 قتيلا في مدريد (11 مارس)، اغتيال الرئىس الشيشاني ـ غروزني (9 مايو)، 22 قتيلا في الخبر ـ السعودية (29 مايو)، 90 قتيلا في سقوط طائرة روسية (24 اغسطس)، 10 قتلى في موسكو (24 اغسطس)، 344 قتيلا في بيسلان ـ اوسيتيا الشمالية (1 سبتمبر)، 30 قتيلا في سيالكوت ـ باكستان (الاول من اكتوبر)، 41 قتيلا في مولتان (في 7 اكتوبر)، 10 قتلى في كويتا ـ باكستان (10 ديسمبر).
القاسم المشترك بين كل اعمال القتل الارهابية التي لم يكن لها مثيل في اي عام اخر من حيث العدد، هو ان مرتكبيها كانوا، حسب ما ذكر، ودون ورود اي نفي لذلك، من المسلمين!

الارشيف

Back to Top