كارثة ثقافية قبل ان تكون مالية

لو نظرنا الى الاسلوب الذي يتبعه اكثرنا في ادارة امواله او اموال غيره، لوجدنا ان القاعدة المتبعة هي: 'اصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب'ِ ويعود ذلك الى ما تتسم به حياتنا عموما من انعدام الشعور بالمسؤولية من جهة وعدم اكتراث بما يخبئه لنا المستقبل من مفاجآت من جهة اخرىِ كما نجد انه قل تحصيلنا العلمي كلما قل اهتمامنا بالتالي بمسائل التنمية والاستثمار والادخار، وقلت معه مخاوفنا من المستقبل.
ان التعديلات الخطيرة التي تطالب مجموعة كبيرة من النواب بإجرائها على قانون مؤسسة التأمينات الاجتماعية، سواء تلك التي تعلقت بمنح المتقاعد علاوة 20 دينارا كل سنتين كزيادة راتب، او ما تعلق باقتراح منحة المائة دينار، او، الاخطر من ذلك، ما تعلق بتقاعد المرأة وتقاعد اصحاب الاعمال الخطرة، لم تأت حقيقة من فراغ، بل ان الامر يتعلق اولا واخيرا بما تعودنا عليه من اسلوب حياة وتربية مدرسية ومنزليةِ فنحن كما ذكرت قليلو الاكتراث بالمستقبل، عديمو الاهتمام بما يخبئه لنا القدر، وقد اثبت الخط البياني للاحداث التي مرت بها الكويت طوال نصف القرن الماضي وعلاقة تلك الاحداث بمداخيلنا وثرواتنا الشخصية، ان المؤشر العام على الرغم من تذبذبه الشديد على المستويين: الشخصي والحكومي، الا ان نتيجته النهائىة كانت في صالح الفرد بشكل عامِ حتى كارثة الغزو، وبالرغم من كل ما جرته إلينا من مصائب واحزان وما شكلته من صدمة نفسية وثقافية، الا انها كانت بشكل او بآخر نعمة مالية للكثيرين، حيث تم اسقاط ديون المصارف الشخصية وديون الدولة العقارية وزيدت رواتب الموظفين والمتقاعدين ودفعت كامل رواتب فترة الغزو، ولم يخسر احد من قيمة امواله الشخصية او الفائدة على حسابات ودائعه، وزادت ثراء نسبة كبيرة من المواطنين، بصورة غير مباشرة جراء تلك الكارثةِ وتعتبر الكويت الدولة الوحيدة في التاريخ البشري المعروف التي تعرضت للغزو والاحتلال والتشريد والتدمير شبه الكامل لمواردها الطبيعية، وخرج مواطنوها بالرغم من كل ذلك اكثر راحة وامتلاء من الناحية المالية!.
وعليه، يمكن القول، وبدون مبالغة، ان الدفاع وراء التعديلات المرهقة التي يطالب الكثير من اعضاء البرلمان بإجرائها على قانون مؤسسة التأمينات، على الرغم مما تشكله من اعباء مالية رهيبة ستؤدي في نهاية الامر الى توقف المؤسسة عن الدفع واشهار افلاسها، لا يتعلق برغبتهم في كسب اصوات ناخبيهم، على الرغم من اهمية هذا العمل، بل يعود اولا واخيرا الى جهل هؤلاء بالمستقبل وبحساباته، والى شديد اطمئنانهم الى امكانات واحتياطيات الدولة المالية، والطريقة التي تدار بها احوالنا الاقتصادية، واحساسهم الخاص بان الظروف المالية ستتحسن، فهكذا تعودوا وهذا ما كانت عليه حال الكويت الحديثة دائما(!)ِ من غير المجدي، في اعتقادي مجابهة ذلك الرفض الطفولي بتلك الاحصائىات والحسابات الاكتوارية المخيفة التي قامت مؤسسة التأمينات الاجتماعية بإعدادها وتوزيعها على نواب المجلس، والتي بينت بصورة لا مجاملة فيها المصير الذي ينتظر المؤسسة في حال اقرار تلك التعديلات والزيادات، بل ان الامر يتطلب اجراء ندوات تثقيفية وتعليمية 'اجبارية' لأولئك النواب الرافضين وشرح الوضع لهم خارج قبة البرلمان، فمن غير المجدي مناقشة وضع المؤسسة بالطريقة التقليدية المتبعة، وهي النقاش تحت قبة البرلمان وفوز من يمتلك الاغلبيةِ فالامر، كما هو واضح، لا يخضع للمنطق والعقل، ويتطلب بالتالي طريقة غير تقليدية لمجابهته، وخاصة من جانب الحكومة التي عليها ان تتدخل وتكثف من جهودها في تثقيف هؤلاء النواب وتوضيح الامر لهم بصورة اكثر 'حدة'، فالارقام واضحة وهي لا تكذب، والامر في نهاية المطاف اخطر من ان يترك لأهواء ورغبات البعض.
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top