دموع في فويل * (1)

تمتاز دول العالم الثالث، والاسلامية منها بالذات، بعدم حبها، والذي يصل لدرجة الكراهية لكل ما له علاقة بالتوثيق والتدوين والتأليف.
فسيرة اعظم واكثر شخصية مؤثرة مرت بتاريخ العرب والمسلمين في الالف وخمسمائة سنة الماضية لم تستحوذ الا على اهتمام القلة، وجلهم من المستشرقين او دارسي التاريخ، والاسلامي منه بوجه خاص، وبشكل لا يتناسب اطلاقا مع اهمية هذه الشخصية وقوة تأثيرها على حياتناِ كما ان من النادر جدا قيام شخصية سياسية او ادبية بتدوين سيرة حياتها وسرد التجارب والاحداث التي تأثرت او اثرت بها.
وبالرغم من طول وعمق علاقة العرب عموما بالادب والشعر والقصة المحكية، الا انه من الطريف، او ربما من المحزن، ان اول رواية عربية كتبت وطبعت كانت رواية 'زينت' للاديب المصري محمد حسين هيكل، وكان ذلك في العشرينات 'فقط' من القرن الماضي!
بتشجيع من زميل نشط، قمت بزيارة لمركز البحوث والدراسات الكويتية الذي يقع بجانب المعهد البريطاني في منطقة المنصوريةِ واكتشفت ان المركز الذي سبق ان انشئ عام 92 بمرسوم اميري ليكون 'ِِ مصدرا للمعرفة بشؤون الكويت السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتراثها الحضاريِِ' يعمل ضد التيار، او الاتجاه، الذي تعودنا عليه المتمثل بعشقنا لتجاهل كل ما له علاقة بالتوثيق او التأريخ او حتى تدوين سير الاشخاص ولو شبه المبرزين منهمِ كما اكتشفت ان ما يقوم به الاساتذة المشرفون على عمل المركز من جهد في جمع وترتيب وتصنيف وتخزين عشرات آلاف الكتب والمراجع وتأليف وتدوين وتوثيق عشرات السير والاحداث المحلية المهمة الاخرى امر في غاية الروعة ويستحق حقا الاشادة والتشجيع سواء في الجانب المعنوي منه او المادي.
تتمثل اهداف المركز في اعداد البحوث والدراسات المتعلقة بالكويت من كافة النواحي المدنية ونشرها محليا وعالميا باكثر من لغة والقيام بمهمة جمع الوثائق والكتب والدراسات ذات الصلة بتراث الكويت وقضاياها وعلاقاتها الاقليمية والدولية والافادة منها في التعريف بالكويت كدولة وشعب ذوي هوية حضارية.
ولكن يفتقر المركز الذي تمتاز اعماله بطابع شديد الاهمية والجدية، إلى بعض الامور التي من الممكن ان تحققت ان تعطي دفعة قوية لادائه وتمكنه من الوصول للعديد من اهدافه الجليلة في وقت قصير وهي:
1 - الموارد المادية: يشكو المركز من قلة موارده المادية مقارنة بما هو مطلوب منه القيام به من امتداد وتحرك للوصول للقراء والمؤسسات المختلفة حول العالم وبأسرع طريقة ممكنة، مما يعني حاجته لمختلف الاجهزة عالية التقنية التي بامكانها تحويل ملايين الصفحات الى عشرات الاقراص المدمجة سهلة التوزيع والتخزين.
2 - الدعم العلمي: يفتقد المركز كذلك الدعم الاكاديمي، حيث ان عدد الاكاديميين الذين عرضوا العمل مع المركز، سواء بشكل تطوعي او مقابل اجر، لم يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة بالرغم من ان عدد حملة 'الدال' لدينا قد تجاوز مؤخرا 2500 اكاديمي بكثير!
3 - المقر: يفتقد المركز الى المقر المناسب والمصمم خصيصا لاغراض وليس الى مبنى سكني متواضع، كما هي الحال الآنِ ونهيب بالجهات المعنية الاسراع في انجاز المبنى المزمع انشاؤه ليضمن ثروة الوطن الثقافية والتاريخية وتراث ابنائها.
ان ما يقوم به هذا المركز من جهود توثيقية وتسجيلية وبحثية لا يقل أهمية عن اي عمل خيري او انساني آخرِ كما ان عمله يتسم بطابع وطني وامني شديد الاهمية ويحتاج الى كل دعم ومؤازرةِ واعتقد ان من واجب مختلف الجهات كبيت الزكاة والمؤسسات المالية الاخرى ومعهد الكويت للابحاث العلمية وامانة الوقف والاخوة رجال الدين المشرفين على عشرات صناديق التبرعات الخيرية المسارعة ومد يد العون لهذا المركز ومساعدته في تمويل ابحاثه ومشاريعه الوطنية.
كما ان بمقدور كل مواطن المساهمة في انجاح اعمال وابحاث هذا المركز التوثيقي والوطني الهام وذلك بتزويده بما يمتلك من مستندات او دراسات او كتب تاريخية او سياسية تتعلق بتاريخ المنطقة عموما، والكويت بشكل خاص.
احمد الصراف

* 'فويل' هو اسم اكبر مكتبة او مخزن كتب في لندنِِ وربما في العالم

الارشيف

Back to Top