في سان تروبيه

ما ان أقلعت الطائرة بنا، وبعد تأخير أكثر من ساعة عن موعدها، حتى اكتشفنا انها ستتوقف في طريقها الى باريس في مطار روما للتزود بالوقود وإنزال بعض الركاب، ومن خلال حديث صديقنا 'أبو صلوح' مع مسافرة كويتية كانت تجلس على المقعد المحاذي له، تبين لنا أننا قد أخطأنا كثيرا في خط سير رحلتنا حيث ان على من يرغب السفر الى سان تروبيه والوصول اليها من الكويت عن طريق مطار مدينة نيس الفرنسية، وهذه المدينة لا تبعد اكثر من نصف ساعة بالطائرة عن مطار روما، وان من الخطأ بالتالي، او ربما الجهل الشديد، الطيران الى باريس التي تقع في وسط فرنسا ثم العودة مرة اخرى الى ساحلها الجنوبي حيث نحن الآن.
طلبنا من كابتن الطائرة السماح لنا بمغادرتها في روما لأخذ طائرة أخرى الى نيس وكسب وقت ثمين يتجاوز خمس ساعات على الأقل، وأبدينا استعدادنا 'لمسامحة' الخطوط الكويتية على تكاليف رحلة روما - باريس!
وافق الكابتن على طلبنا، ولكنه، ولحسن الحظ، سألنا ونحن بصدد مغادرة الطائرة عما اذا كنا على يقين بأننا سنحصل على أماكن شاغرة في الطائرة الوحيدة التي ستغادر ذلك اليوم مطار روما الى نيس ففغرنا أفواهنا دهشة او ربما غباء، وهززنا رؤوسنا ذات اليمين وذات الشمال علامة النفي، او الجهل فتبرع بالسؤال عن الأمر وتبين ان تلك الطائرة 'فولي بوكد'.
أقلعت 'الكويتية' بنا من روما وأيضا متأخرة عن موعدها ساعة اخرى، وما ان وصلنا الى مطار باريس حتى اتجهنا الى مبنى الطيران الداخلي وهناك ايضا تأخرت طائرتنا عن موعدها، وبعد جهد جهيد وتعب شديد وصلنا الى مطار مدينة نيس وكان الوقت قد بلغ منتصف الليل بقليل، وجاءت الصدمة رقم 39 بعد المائة عندما اكتشفنا ان حقائبنا لم تصل معنا فانشغلنا بالإبلاغ عنها، وما ان انتهينا من تلك الاجراءات المملة حتى تبين لنا ان الطائرة التي قدمنا بها كانت الاخيرة في ذلك اليومِ سألنا عن الهليكوبتر التي قال صاحبنا انها ستقلنا الى سان تروبيه فأخبرونا بأنها توقفت قبل أيام عن الإقلاع ليلا بعد ان احتج الأهالي على الضجيج الذي تسببه في حلها وترحالهاِ سألنا عن الهوفر كرافت التي أخبرونا بوجودها فقالوا لنا انها منعت هي ايضا من 'الهوفرة' ليلا رحمة بسكان سان تروبيه 'الترفين' او المترفين! فطلبنا سيارة أجرة فقالوا لنا ان المطار قد أغلق وان علينا تدبير أمرنا.
ولحسن الحظ، وربما لمرة واحدة فقط في رحلة العمر تلك، ان سيارة أجرة كانت 'لايثة' في ذلك الوقت بالقرب من المطار فأقلتنا، بخفيف حملنا والذي لم يزد عما كان يستر عوراتنا من قطعتي ملابس بعد ان تأخرت او تخلفت او ضاعت حقائبنا في الرحلة بين باريس ونيس.
استغرق أمر الوصول الى السان اكثر من ساعة بقليل في طريق أغلبها ضيق ومظلم وبسرعة تجاوزت احيانا 170 كيلو مترا في الساعة.
بفضل الهاتف النقال عرفنا مكان وجود صديقنا ومضيفنا الكريم جدا حيث كان يجلس في احد مقاهي السانِ وبالرغم من شهرة تلك المنطقة لكونها منتجع الأثرياء ومركز الراحة والاستجمام والاستحمام، وعاصمة ألذ أنواع الأطعمة والمشروبات الا ان عشاءنا في تلك الليلة لم يزد عن فطيرة بيتزا مع كأس من شراب الكوكا كولا وفي مطعم حقير لا يستحق ان يكون في تلك المنطقة الجميلة!
اتجهنا الى الفندق الذي سنمكث فيه في تلك الليلة الى حين وصول يخت صاحبنا اللبناني وزوجته وتبين لنا من حديث صديقنا، ونحن في الطريق الى الفندق انه بدأ في 'دحرجة' الصدمات علينا بهدوء الواحدة تلو الأخرى دون ان نحس بآثار أي منها حيث أخبرنا أن الفندق الذي سنقطن فيه يحمل درجة نجمتين!
ويتكون من 25 غرفة فقط!
ويبعد كثيرا عن المدينة!
وأن الإقامة ستكون لليلة واحدة فقط!
وأنني سأشارك 'أبو الصلوح' غرفة نوم واحدة ذات سرير واحد كبير!
وأن اليخت سوف لن يصل غدا!
وأن علينا ان نبحث عن فندق جديد في صباح اليوم التالي!
وان أمر ايجاد غرفة خالية سوف لن يكون سهلا(!)
وهنا أكمل 'أبو الصلوح' المأساة محذرا، وهو يبتسم بكل براءة طفل لم يولد بعد، بأنه 'يشاخر' في نومه!
ولم أعرف في تلك اللحظة من هو طقاقي بعد ان توالت علي الضربات من كل حدب وجنب وصوب!.
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top