قمة الإنسانية و'الحرفنة

التقينا به، رفيقي وأنا، في بهو فندق شيراتون العلوي في الرياض، وكان الوقت في أواخر شهر اغسطس من عام الغزو السخيف، وتعارفناِ وحيث ان نسبة 'الكدر' التي كانت تبدو عليه كانت تفوق تلك التي كانت تبدو على وجوهنا وبقية ضحايا الغزو، الذين اسعدهم الحظ وسكنوا في ذلك الفندق الفخم كلاجئين خمس نجوم (!) فقد دفعنا ذلك في نهاية الأمر لسؤاله عن مشكلتهِ فأخبرنا بأن زوجته حامل وفي شهرها ما قبل الأخير، وأن ولادتها صعبة جدا وان احتمال حدوث مكروه لها، إن هي ولدت في المملكة، أمر وارد بشكل كبيرِ وان الحل الوحيد لإنقاذ حياتها وحياة اسرته من الدمار هو في نقلها الى بريطانيا حيث طبيبها الخاص والوحيد الذي يعرف حالتها، ودونه وتحقيق ذلك الأمر الكثير من الصعاب، حيث لا مال لديه بعد ان ترك الملايين وراءه في الكويت واصبح على ما هو عليه من بؤس وشقاء و'طفر'!
'كسر' منظره ومنظر زوجته الحامل التي كانت تبدو وهي تسير وكأن حمل الدنيا واقع على كتفيها، خاطرنا، ولولا ما كان يحيط بنا من خوف من المجهول، ونحن في الأيام الأولى للغزو، لما ترددنا في إعطائه ما نملك من مال لمساعدته في ازمته مع زوجته وأطفاله الثلاثة الصغار منها.
تبين لي ولرفيقي وبعد الاستماع، مجبرين في اكثر الأحيان، لقصص بقية المواطنين الكويتيين الذين كانوا من قاطني ذلك الفندق او من زواره بأن الموضوع المادي، او النقدي بالذات، هو الحل لمشاكل الغالبية العظمى من اولئك اللاجئين، خاصة ان أكثرهم خرج تاركا وراءه كل ما يملك من نقد ووظيفة وعقار أو أسهم!
ما عقد الأمور أكثر ذلك الاجراء الذي اتخذته كافة محلات الصيرفة والبنوك والذي رفضت بموجبه صرف الشيكات السياحية، بأية عملة كانت، إن كانت مصدرة من الكويت، وذلك لوجود احتمال عدم قيام البنك الذي قام باصدارها، وبسبب الغزو، بتحويل قيمتها للشركة او المصرف المسؤول عن دفع قيمتها في نهاية الأمر للتاجر او البنك الذي يقوم بالدفع مقابلهاِ والشيكات السياحية بلا تغطية لا تساوي قيمة الورق الذي طبعت عليه.
الأسوأ من كل ذلك، ذلك الاجراء الذي تم على مستوى العالم أجمع، والذي ألغيت بموجبه صلاحية كافة بطاقات الائتمان (فيزا، ماسترد كارد وداينرز) الصادرة عن مصارف كويتية، حيث اعتبرت بطاقات بلاستيكية غير ذات قيمة بعد أن اصبحت اوضاع البنوك التي سبق ان اصدرتها غير ذات قيمةِ وقد أوقع هذا الاجراء، على الرغم من منطقيته، الكثيرين في ورطة كبيرة.
في أحد الأيام ونحن جلوس في بهو الفندق نرتشف القهوة النجدية الطيبة تحلقت مجموعة كبيرة من رواد وضيوف الفندق حول لوحة إعلانات كتب عليها التالي: 'تعلن شركة 'امريكان اكسبرس' لجميع حاملي بطاقاتها من مواطني الكويت ان بإمكانهم استعمال بطاقات ائتمان الامريكان اكسبرس التي بحوزتهم أيا كان مصدرها'!ِ لم تصدق أعين الكثيرين حقيقة ذلك الاعلان، ومنهم صديقنا وزوجته الحامل، والذي توجه من فوره لمكتب سفريات الفندق حيث قام باستعمال بطاقته الائتمانية في شراء تذاكر سفر له ولعائلتهِ كما قام، وعن طريق الفندق نفسه، بحجز غرف مدفوعة القيمة لمدة شهرين في أحد فنادق لندنِ وتوجه وآخرون ممن كانوا من حاملي البطاقة نفسها من فورهم الى اقرب مسجد للصلاة ركعتين شكرا لله والدعاء لصاحب ذلك القرار الشجاع والكريم والإنساني.
مبادرة كريمة كان يجب التنويه والكتابة عنها منذ فترة طويلةِِ ولكن 'الكبر شين'!.
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top