خطوط الخسارة

تعتبر مؤسسة الخطوط الكويتية من أشهى الطرائد وأكثرها لحما وشحما وفائدة لعشاء وغداء وإفطار الأولاد والأقارب والأصحاب، والمميزين والسياسيين والكثير من أعضاء مجلس الأمة والعاملين في وسائل الإعلام المختلفةِ وهي من الشركات 'اللطيفة' التي ينطبق عليها المثل القائل: 'من اصطادها ضمن عشاء عياله وعيال عياله(!)'.
يجب الاعتراف أولا بأن الخطوط الكويتية تعتبر، وباستثناء الإماراتية، وإلى حد ما طيران الشرق الأوسط، من أفضل شركات طيران المنطقة والدول العربية كافةِ ولا يعود الفضل في ذلك بطبيعة الحال الى الإدارة المميزة التي لم تكن يوما من سمات الشركة منذ ان اشترتها الحكومة من القطاع الخاص، ولكن بسبب سوء سمعة وهبوط مستوى بقية الشركات المنافسة لها (قالوا والنعم بفلان قلنا من رداءة ربعه)!!
***
تتمتع 'مخك' (اختصار مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية) بالمزايا التالية:
1) قروض ميسرة ودعم مادي حكومي كبير اضافة إلى رأسمال ضخم.
2) حصر حق نقل ضيوف وموظفي الحكومة عليها.
3) حصر حق نقل كافة البضائع المتعلقة بعقود حكومية بها.
4) خلو سجلها من أية سابقة تاريخية تتعلق بمحاسبة رئيس وأعضاء مجلس ادارة المؤسسة عن أية مخالفات أو خسائر متلاحقة وغير مبررة.
5) التجديد المستمر والمضمون لرئيس مجلس الإدارة عقدا وراء آخر.
6) حصر حق تقديم العديد من خدمات المطار بها.
7) عدم وجود أية شركات منافسة لها.
8) شبه الحصانة النيابية التي تتمتع بها ضد أية مساءلة سياسية أو مالية تتعلق بنتائج أعمالها السنوية.
9) قدرتها على شراء ولاء خصومها أو من قد يكونوا في عداد خصومها مستقبلا، وذلك بما تتمتع به من قدرات 'تسكيتية' تتمثل في تذاكر مجانية وأوزان زائدة، وهي أمور مهمة ومغرية حيث لا تعتبر بحكم الرشوة العلنية لعدم انطوائها على مدفوعات نقدية تنتقل من يد الى يد، وهي بالتالي لا تعتبر من المحرمات حتى عند غلاة نواب الأحزاب السياسية الدينيةِ وربما تبين سجلات 'مخك' أسماء ذلك العدد الكبير الذي حصل على تذاكر مجانية.
رغم كل هذه المزايا المادية والمعنوية الكبيرة تتعرض الشركة ومنذ سنوات طويلة لخسائر عالية وغريبة وغير مبررةِ وحتى في السنوات التي كانت تحقق فيها بعض الأرباح فإنها كانت تافهة الى درجة مضحكةِ ولو عدنا لمجموعة التصريحات التي صدرت عن رئيس مجلس ادارة الشركة السابق بخصوص مستقبل وضع الشركة المالي وقارنا الأمر بما عليه الآن لاكتشفنا العجب، ولكن من يود الرجوع للتاريخ منا وإعادة قراءته؟
ما يحدث في الكويت ومع شركة طيرانها الوحيدة ومنذ نصف قرن أمر لا يمكن قبوله والسكوت عنهِ فالشركة، اضافة الى مطار الدولة الرئيسي والوحيد، يتعرضان لخسائر لا يمكن قبولها في دولة ديموقراطية، أو شبه ديموقراطية، تؤمن بحرية التجارة وباقتصادات السوق في الوقت الذي يتعرض فيه ميزان مدفوعاتها لخلل كبير، وهو الأمر الذي يتطلب منا ضرورة الاستفادة، وليس التعلم بسبب قصور الفهم عند البعض منا، من تجارب الآخرينِ فقد قامت الحكومة البريطانية قبل سنوات مثلا ببيع شركة الطيران الوطنية للقطاع الخاص والذي حولها إلى مشروع ناجح ومميز بين العديد من شركات طيران العالمِ كما قامت الحكومة نفسها ببيع أو خصخصة كافة مطاراتها المدنية وحولتها إلى ملكية شركة مساهمة مربحة.
***
يعرف الكثيرون ان 'مخك' كانت تشكل، وستبقى تشكل ولسنوات طويلة مقبلة، عبئا كبيرا على موازنة الدولةِ ويعرف الأكثر ان خدمات الشركة بشكل عام لا يمكن مقارنتها بشركات الطيران الأخرى، كما أنه من الصعب تصور أن هذه الخدمات ستتطور الى الأحسن في المستوى القريب وفي ظل الظروف الحالية.
وعليه يجب التفكير جديا في حلول تضع الشركة على طريق النجاح والربحية، وهذا لا يمكن أن يتحقق بدون تحويل ملكية الشركة الى القطاع الخاص ليتحمل كل طرف مسؤولية قرارهِ وحيث ان هذا الأمر سيأخذ بعض الوقت وقد لا يتحقق أبدا بسبب تعدد الجهات المستفيدة من الوضع الحالي، فيجب بالتالي التفكير في البدائل الأخرى التي تتمثل، باعتقادي المتواضع جدا، في الأمور التالية:
1) التوقف كليا عن منح أية تذاكر مجانية وحصر هذا الحق وفي أضيق الحالات في مجلس الإدارة، وبدون تفويض للرئيس، مع إعطاء ديوان المحاسبة حق مراجعة هذا الأمر سنويا وتقديم تقرير نصف سنوي بذلك لمجلس الأمة.
2) معاملة الأوزان الاضافية بطريقة التذاكر المجانية نفسها وحصرها في أضيق الحدود وضمن لوائح معتمدة.
3) تغيير لائحة مجلس ادارة 'مخك' الداخلية بحيث تعطى صلاحيات أكثر لمجلس الإدارة على حساب الصلاحيات المطلقة التي يتمتع بها حاليا رئيس المجلس والتي تجعل المجلس شبه صوري.
4) التوقف عن سياسة حجز كافة كراسي الطائرة بصورة آلية الى ما قبل يوم او يومين من موعد السفر ثم تأكيد الحجز بعدها لمسافرين بعد التأكد من عدم وجود طلب من طرف متنفذ او صاحب واسطة يأتي في اللحظة الأخيرةِِ وضرورة التعامل مع الجميع على أساس يخدم أولا من يأتي أولا، وذلك اسوة بشركات الطيران الأخرى، ويمكن عن طريق ذلك استعادة ما فقدته الشركة من احترام بين جمهور المسافرين.
5) الإسراع في تحويل ملكية شركة 'كاسكو' المتخصصة في تقديم الوجبات الغذائية على رحلات 'مخك' للقطاع الخاص وجعل الخدمة على أساس تنافسي.
6) تحديد فترة بقاء رئيس مجلس الإدارة في منصبه بفترتين زمنيتين لا تتجاوز الواحدة منهما السنوات الأربع.
7) خصخصة خدمات الطيران الأرضية الأخرى التي تتولاها 'مخك' حاليا.
8) التخلص من العمالة الزائدة والتي ترهق موازنة الشركة، والتي تسببت فيها سياسات الحكومة الحالية وما سبقها من حكومات 'مماثلة'.
9) وضع الخبرات والكفاءات العالية في المناصب الادارية المهمة وخاصة مكاتب الشركة الخارجية.
10) فتح خطوط مربحة جديدة، واغلاق ما تم فتحه لأسباب سياسية.
والى ان تتحقق كل أو بعض هذه الأمور فإن خسائر الشركة ستستمر ومستوى الخدمة فيها سيتدهور وعبء دعمها على الخزانة العامة سيزداد.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top