قراءة ثانية بين السطور

يقول الباحث الفلسطيني غازي السعدي في كتابه 'الاعياد والمناسبات والطقوس لدى اليهود' ان اليهود يطلقون تسمية 'غوييم' على غير اليهودِ وقد كانت الكلمة تنطبق في بادئ الامر على اليهود وغيرهم، ولكنها بعد ذلك استخدمت للاشارة للامم غير اليهوديةِ واكتسبت فيما بعد ايحاءات بالذم والقدح واصبح لها اكثر من معنى، ادناها عبدة الاوثان والاصنام واعلاها اولئك الذين تركوا تلك العبادات اي: المسلمون والمسيحيون (!!)
ويستطرد الباحث في القول ان حاخامات اليهود ساهموا في تعميق هذا الاتجاه الانفصالي، حيث اعادوا تفسير الحظر على الزواج من ابناء الامم الكنعانية السبع الوثنية، ووسعوا نطاقه ليشمل جميع طبقات 'الغوييم' دون تمييزِ وقد ظل الحظر يمتد ويتسع حتى اصبح يتضمن تحريم حتى مجرد تناول الطعام مع غير اليهود، بل اصبح ينطبق ايضا على الطعام الذي قام الغريب او غير اليهودي بطبخهِ ثم تحول الرفض في مرحلة لاحقة الى عدوانية واضحة في التلمود الذي يدعو دعوة واضحة لقتل الغريب حتى ولو كان من احسن الناس خلقا (يقابله عند الكثير من المسلمين 'دار حرب ودار سلام').
ويقول الباحث ان تقسيم العالم الى يهودي والى 'غوييم' ينطوي على تبسيط شديد، فهو يضع اليهودي فوق التاريخ وخارجه (ألا يشعر البعض منا بذلك تجاه الآخرين؟)، وان من اليسير طبقا لذلك ان يعتقد اليهودي ان كل ما يجري حوله ما هو الا مؤامرة موجهة ضده (ألا يعتقد اكثرية المسلمين، وبخاصة المحرومون منهم، بذلك؟)ِ وكان ميل الكثير من اليهود للانعزال عن الآخرين سببا في بقائهم خارج مجتمعاتهم على المستويين: الاقتصادي والديني، وبظهور الدولة الرأسمالية القومية اهتزت هذه الانعزالية بعض الشيء، وظهرت حركتا الاستنارة اليهودية واليهودية الاصلاحية اللتان كانتا تحاولان تشجيع اليهود على الاندماج مع الشعوب في المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها (قبل هجرة غالبيتهم لفلسطين)، الا ان الرؤية الثنائية المستقطبة عادت للظهور بكل قوتها، لأن الصهيونية ترى اليهود على انهم شعب مختلف عن بقية الشعوب لا يمكنه الاندماج فيها، كما شجعت الصهيونية الانفصالية كوسيلة مشروعة تحافظ بها اقلية عرقية على نفسها وعلى تقاليدها وتراثها (هل نرى شيئا هنا لم نكن نفطن له قبلا؟).
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top