رحلة العمر

ما ان عدت من زيارتي الأخيرة الى تايوان في منتصف شهر يناير الماضي حتى تم اتخاذ القرار، وعلى أعلى المستويات هذه المرة، للترحال الى بيروت وباريس ولندن للعمل والراحة من جهة، وللاستزادة مما حرمتنا قوى التخلف والظلام من التمتع به في وطننا، والذي كان الى وقت قريب جدا، وطنا رائدا على مدى سنوات طويلة في كل ما كان رائعا وجميلا وجديدا.
لنبدأ القصة من نهايتها فربما تكمن فيها 'زبدة' مجموعة المقالات هذه.
لا أتذكر كم مرة زرت فيها لندن منذ أن قررت التوقف وعائلتي عن العيش فيها، وكان ذلك قبل الغزو بأشهر معدودةِ ولكن مهما يكن الرقم فهو كبير بكافة المقاييسِ وأردت أن تكون زيارتي الأخيرة هذه لها مميزة وتختلف عن كل ما سبقتها من زيارات، وأيضا بكافة المقاييس.
من أجل ذلك قمت بمراقبة حالة طقس عاصمة الضباب (سابقا) لمدة عشرة أيام سابقة على تاريخ السفر لكي أحدد أولا نوعية الملابس التي يجب أن أملأ بها حقيبة السفر، وثانيا لتحديد نوعية الأنشطة التي سأزاولها هناك بناء على حالة الطقسِ كما قمت بشراء أكثر عدد من الصحف والمجلات البريطانية لمعرفة آخر عناوين ما يعرض على مسارحها من تمثيليات جادة أو فكاهية أو موسيقية أو أفلام لا أتوقع أن تسمح لجان التخلف والظلام بعرضها في دور السينما في الكويت، وإن سمحوا بها فسيكون ذلك فقط بعد تقطيع أوصال أشرطتها و'مصارين' مخرجيها من كل ما لذ وطاب من مشاهدِ ولم أكتف بكل ذلك، بل قمت بزيارة أكثر من موقع على الانترنت لعمل الحجوزات اللازمة سواء للعروض المسرحية الجيدة أو الأفلام الجديدة أو لغرف الفنادقِ بل وزدت على ذلك بشراء عدد من أوراق 'اللوتري الوطني' فربما يستفيد أبنائي من احدى جوائزها الكبرى، ان فزت بأي منها.
باختصار شديد قمت بكل ما يقوم به أي سائح بريطاني أو ألماني جاد يود زيارة مدينة مهمة لأول وآخر مرة في حياته وضمن ميزانية مالية معينة وفترة زمنية محددة، ويود بالتالي مشاهدة أقصى ما يمكن مشاهدته ضمن تلك الميزانية وتلك الفترة!!.
وقبل موعد السفر بيوم واحد تكون لدي البرنامج التالي:
1 ـ اليوم الأول: الوصول الى لندن مساءِِ قضاء السهرة في نادي 50 سانت جيمس الشهير بمنطقة البيكادللي، يا دللي!! لتناول وجبة عشاء فخمة، ومن ثم العودة للفندق للنوم في وقت مبكر استعدادا لليوم التالي، والذي سيبدأ في نادي الفندق الرياضي لمزاولة رياضة المشي والسباحة لمدة ساعتين على الاقل.
2 ـ اليوم الثاني: زيارة محلات ماركس وسبنسر (التي فقدت بضائعها بريقها وأصبحت أسعارها غالية وألوانها عادية وموديلاتها قديمة بمجرد أن رفع اسم الشركة من القائمة السوداء) وكذلك زيارة محلات سلفردجز وهارودز للقيام بواجب الزيارة أولا والتي تعتبر من 'الطقوس' المقدسة لكل كويتي يزور تلك البلاد بصرف النظر عن مظهره الخارجي ولشراء ما طلبه الأهل والاصدقاء من ملابس داخلية وبضائع وأطعمة خاصة!! وختم الليل في زيارة لمجمع 'كولونيز' الترفيهي.
3 ـ اليوم الثالث: زيارة مكتبة 'دار الساقي'، وقضاء أغلب النهار هناك للاطلاع على آخر ما أخرجته المطابع العربية الشحيحة من كتب قيمة، وشراء مجموعة من الكتب الجيدة والرائعة التي منعت أو ستمنع لجنة 'التخلف والظلام والاستسلام' في وزارة الاعلام دخولها الكويت لاعتقاد أعضاء اللجنة بقصور عقول المواطنين والمقيمين في الكويت عن معرفة حقيقة ما تقوم بمنعه من كتب 'شريرة'!! وقد تضمنت القائمة الأولية للكتب المطلوب شراؤها الكتاب الجديد لكمال الصليبي 'البحث عن يسوع' وآخر بعنوان 'دوائر الخوف' للمفكر المضطهد حامد نصر أبوزيد، اضافة لبعض نسخ من كتاب الاستاذ احمد البغدادي الأخير 'تجديد الفكر الديني' وكتاب 'شرق الوادي' للسعودي المبدع تركي الحمدِِ الخ.
4 ـ اليوم الرابع: مشاهدة الأفلام السينمائية التالية في فترة بعد الظهر وأول المساء وقضاء ما تبقى من الليل في زيارة يتم الترتيب لها مسبقا للصديق المغترب أبوسامي 'الورد' وتخصيصها للبحث معه في آخر ما توصل اليه العقل البشري من ابداعات في عالم الطرائف والنكت! والأفلام هي: أنا والملك، عيون مغلقة باتساع، الجمال الاميركي وثلاثة أفلام أخرى أفضل أن أحتفظ بأسمائها لمخالفة بعض 'الحروف' التي وردت في عناوينها لقانون المطبوعات والنشر.
5 ـ اليوم الخامس: تخصيصه بالكامل للنوم في الفترة الصباحية بعد الارهاق المتوقع اصابتنا به من سهر الليلة السابقةِ ثم قضاء فترة العصر وأول المساء والنصف الثاني منه في مشاهدة ثلاث مسرحيات دفعة واحدة! وهي من الظواهر الثقافية البديعة التي لا تتكرر في العمر كثيرا (!).
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top