هدية العمر الأولى

لا أذكر السنة بدقة، ولكن اعتقد ان عمري لم يكن يتجاوز السابعة بكثير، وربما كان الوقت شتاء عام 52 او بعد ذلك بقليل، وكان الوقت في الساعات الاولى من عصر يوم بارد مصحوب بمطر مقطع خفيف، وذلك عندما اصطحبني والدي الى منطقة 'الدهلة' لكي يشتري لي اول دراجة هوائية جديدة في حياتيِ وبالرغم من ان ما دفعه ثمنا لها لم يكن بالمبلغ الصغير، الا انني لا اذكر مناسبة الشراء، فقد كانت المناسبات التي كان الأهل يقومون فيها بشراء الهدايا لأطفالهم في تلك الايام شبه معدومة مقارنة بما هو عليه الحال في هذه الايامِ فلا اعياد ميلاد شخصية، ولا مناسبات تخرج دراسية، ولا فوز بأنشطة مدرسية، ولا سفر كثيرا يتطلب شراء الهدايا قبله وبعده، ولا نجاح في مادة معينة ولا ميداليات او شهادات تخرج من دورات في سلاح الشيش او الملاكمةِ وربما كان لجفاف البيئة وتقشفها في ذلك الوقت تأثيرهما على شبه انعدام مثل تلك المناسبات الحلوة من حياتنا كأطفال!
يستغرق الطريق من منطقة الاسواق، التي لم تكن تبعد كثيرا عن محل والدي، الى منزلنا ما يقارب الساعة مشيا، لكن، وبالرغم من امتلاكي دراجة هوائية جديدة من صنع 'لندني' ذات لون اسود براق، استغرق امر الوصول الى البيت في تلك الليلة اكثر من ساعتينِ وما ان وصلت حتى وجدت والدي ووالدتي بانتظاري وقد انتابهما قلق شديد لتأخري في العودة! وقد انشغلت والدتي بحالتي البائسة وبملابسي الممزقة وقدمي المجروحة، وبحذائي المبلل والملطخ بالطين عن السؤال عن سبب تأخري حتى تلك الساعة، ويبدو انها تركت امر ذلك لوالدي الذي بادرني بالسؤال عما حدث معي بالضبط مردفا القول إن الطريق لم يكن يستغرق كل ذلك الوقت مشيا فكيف الحال وأنا امتلك دراجة جديدة؟
فقلت له وبكل ما املك وأخزن في داخلي من براءة إنني كنت في السابق وحيدا أما في تلك الليلة فقد كان الامر مختلفا (!!) فقد كان لدي عبء جديد تمثل في تلك الدراجة اللعينة! فاستغرب والدي الأمر، وعندما شعرت إنه لم يفهم قصدي قلت له إنه عندما اشترى الدراجة لم يكلف نفسه سؤالي عما اذا كنت اعرف كيف اركبها او اقودها منفردا! وإنني حاولت طوال الطريق الى البيت قيادتها والسير بها وكانت نتيجة كافة محاولاتي الفشل التام، وكان الامر ينتهي بي غالبا في حفرة صغيرة او 'نقعة' ماء مخلوط بطين باردِ وهكذا فقد كانت مسؤوليتي في تلك الليلة مزدوجة، فقد كان علي أن أجر قدمي بكل ما علق بهما، وبملابسي من وحل وبلل، وان اجر معي تلك الدراجة اللندنية بعد ان تسببت محاولاتي في ركوبها في اكثر من ضربة ركاب على ساقي وطعنة مقود في خاصرتي.
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top