نقطة كارل الزرقاء

يعتبر الفلكي الأميركي كارل سيغان carl sagan، الذي توفي عام 1996عن 62 عاماً، واحدا من أبرز علماء عصره، وكان مبدعا في شرح علوم الفلك، كما كان له دور بارز في برامج البحث عن مخلوقات ذكية خارج الأرض، لإيمانه بوجود حياة أخرى. كما عمل بروفيسوراً في أكثر من جامعة مرموقة، وحاز جوائز عالمية، ووضع عدة مؤلفات، وسجل عشرات الأفلام الوثائقية المبسّطة عن علوم الكون، وأحدها بعنوان «كوكب الأرض نقطة زرقاء باهتة»، ووردت الكلمات المعبّرة التالية فيه على لسانه: من موقع المراقبة البعيد هذا قد لا تبدو الأرض ذات أهمية خاصة، ولكن بالنسبة لنا، نحن البشر، فإن الأمر يختلف، ففي هذا الكوكب (الذي يبدو كنقطة زرقاء باهتة وصغيرة جدا جدا في هذا الكون الواسع) يوجد بيتنا، وفي كوكبنا كل من نحب، وكل من نعرف، وكل من سمعنا به، وكل إنسان وجد أبدا، وعاش على الأرض بسعادة أو بمعاناة، وهي النقطة التي وسعت آلاف الأديان المتيقنة الأيديولوجيات والمذاهب الاقتصادية، وكل صياد وحصاد وبطل وجبان، وكل مؤسسي الحضارات ومدمريها، وكل ملك وقروي وكل العشاق، وكل أب وأم وطفل حالم وكل مخترع ومكتشف، وكل معلم أخلاق، وكل سياسي فاسد، وكل قائد عظيم، وكل قديس وعاصٍ! في تاريخ نوعنا عاش هنا، على أرض هباؤه غبار معلق في شعاع الشمس، وفي نقطة صغيرة جدا في مضمار الكون الرحب، عاش الكثيرون ومات الأكثر، وعليكم أن تفكروا في أنهار الدم التي أسالها الجنرالات والأباطرة حتى يستطيعوا أن يكونوا سادة في لحظة، وعلى جزء من نقطة. فكروا بالبطش الذي يقترفه سكان زاوية من هذه النقطة بسكان زاوية أخرى، كم هي خلافاتهم متكررة، وكم هم متحمسون لقتل بعضهم بعضا؟ إن مواقفنا وتخيلاتنا اللامتناهية للأهمية الذاتية ووهمنا بأننا نمتلك مكانة مميزة في هذا الكون، تطعن بها نقطة الضوء الخافتة هذه! إن كوكبنا بقعة وحيدة في ظلام كوني عظيم مطبق، ونحن عديمو الذكر في هذا الفضاء، ولا توجد أي إشارة إلى أن مساعدة ما ستأتي من الخارج لكي تحمينا من أنفسنا، والأرض هي العالم الوحيد المعروف الذي يمكنه إيواءنا، فلا مكان آخر، في المستقبل القريب على الأقل، يمكن لنوعنا أن يهاجر إليه، ويقيم فيه. لقد قالوا إن دراسة علم الفلك تجلب التواضع، وقد لا يوجد تصوير أفضل للغرور الإنساني الأحمق من هذه الصورة لعالمنا الصغير عن بعد. وبالنسبة لي فإن هذا يؤكد على مسؤوليتنا بأن يعامل بعضنا بعضا بمودة، وأن نحافظ على النقطة الزرقاء، ونعتز بها فهي البيت الوحيد الذي نعرفه! انتهى.

اعترف بأنني قد تأثرت بهذه الكلمات القليلة والبليغة، وأثارت في نفسي عشرات التساؤلات التي لم ولن أجد لها جوابا، وتحسرت على كل هذا الحقد الذي تضمه ضلوع الكثيرين، وغالبا بسبب أوهام وعقائد زائلة! فهذه الأرض الأم لا تستحق كل ما نحدثه فيها من دمار، وهي ليست بحاجة لكل الدم الذي يراق يوميا على ترابها بسبب عداوات وضغائن وأحقاد لا تنتهي، فقط لكي نمتلك جزءا ضئيلا من زاوية صغيرة في كوكب متناهي الصغر في هذا الكون الواسع العظيم.

الارشيف

Back to Top