قالب ثلج الداو

 يروى عن رضا شاه، والد آخر ملوك إيران، قبل أن يطيح الخميني بالملكية فيها، أن مسؤولاً أميركياً اشتكى له من أن الفساد يأكل بعضاً من المساعدات التي تقدّمها بلاده للمشاريع الإنمائية في إيران. فرد عليه الشاه بأن المساعدات تشبه قالب الثلج، فهو يتسلمه ليعطيه لرئيس وزرائه ليقوم هذا بدوره بتسليم القالب لوزير الاقتصاد ليعطيه لمدير الخزينة.. وهكذا، وما إن يصل قالب الثلج إلى مدير المشروع حتى يكون بنصف حجمه، بعد أن أذابت «حرارة الأيدي» التي تناولت تسلمه وتسليمه نصفه الآخر، وبالتالي من الصعب تحديد المسؤولية! ومن هنا يمكن القول إن تحديد الجهة التي يجب تحميلها مسؤولية غرامة الداو، تشبه تحديد المسؤولية في تآكل أو ذوبان قالب الثلج «الإمبراطوري»!

ففي قضية الداو هناك جهات قررت، قبل 7 سنوات، التفكير في الدخول في المشروع، وقامت جهات أخرى بالتفاوض على شراء نصف موجودات شركة داو الأميركية بمبلغ سبعة مليارات ونصف المليار دولار، وفي أي عملية شراء إما يدفع الثمن كاملاً، وإما يلتزم المشتري بدفعه بـ «عربون» لبيان الجدية وحسن النية! وجهة ثالثة حاولت تمرير المشروع بكل تعقيداته وشروطه على مجلس الأمة! وهذه رفضت تمريره في المجلس دون دراسة متأنية لشك بعض الأعضاء في وجود مستفيدين مباشرين من إقراره، ومدى فائدة الدولة من المشاركة فيه. وجهات أخرى تريد كسب الوقت، وعدم انتظار الإجراءات التشريعية، فالوقت يمر وهو ليس في مصلحة الكويت، وإعطاء المجلس الوقت للدراسة سيقتل المشروع في مهده. وجهات إعلامية وأخرى سياسية حاربت المشروع بضراوة، خدمة لأجنداتها! ولو سألت أي جهة من الجهات أعلاه عن مبررات تصرفها، لسمعت من الأولى أن الكويت دولة نفطية، وهي بحاجة ماسة إلى تنويع دخلها والدخول في السوق العالمي من خلال تملك مشاريع صناعية ضخمة، وبالتالي كان لا بد من التفكير في مشروع بمثل تلك الضخامة. أما الفريق الذي وافق على البند الجزائي، فسيبرر تصرفه بأن الصفقة ما كانت ستتم من دونه وأنه حق للبائع، طالما كنا جادين في الصفقة! أما الجهة الفنية والحكومية، فإنها دافعت بالقول إن المشروع أخذ حقه من الدراسة والبحث، ولم يبق وقت طويل قبل أن تنتهي المهلة وتلغى الصفقة وتخسر الكويت. أما الجهات الشعبية التي طالبت بالتأني، فقد بررت موقفها من أنها «لدغت من جحر الحكومة» مرات ولا تريد أن تلدغ أكثر، وعلينا التأني ومعرفة شروط العقد. إزاء كل ذلك، لم يكن أمام الجهة المختصة، التي سئمت من كل ذلك التناحر، إلا أن تلغي الصفقة وليتحمل كل طرف مسؤوليته. والآن، من هو المسؤول عن تآكل قالب الثلج؟ لا أحد! واعتقد أن هذه هي النتيجة التي ستخرج بها لجنة التحقيق! فالمشكلة لم تكن في اختيار المشروع، ولا في شرطه الجزائي، ولا في إصرار المشرّع على دراسته، ولا في التسرع بإلغائه، بل في آلية الإدارة الحكومية، والتخبط والفساد اللذين نعيشهما! ولو كان المشروع قد أقر في حينه، لربما كانت هناك مسرحية مماثلة أخرى، ولكن في الاتجاه المعاكس!

الارشيف

Back to Top