مصنع الفقهاء

 لا أدري كيف تقبل بعض الصحف نشر اعلانات أقل ما يقال عنها وعن مضمونها انها لا تتفق والمصلحة العامة، ولكن هذه قصة أخرى. فقد ورد في اعلان ملون غطى ربع صفحة دعوة صريحة للشباب الذكور من سن 16 وحتى 20 عاما للتسجيل في دورة «المفاتيح» لفهم القرآن والسنة، ولتكون تلك خطواتهم الأولى ليصبحوا «فقهاء» المستقبل! ولكي يمتلك المشارك المراهق في الدورة «مفاتيح الفهم» فقد طلب الاعلان منه التواجد في وقت محدد في «المسجد الكبير» لاجراء امتحان القبول له، فان اجتازه، فسيعني ذلك أنه سيحظى بالفوز برعاية «الدكتور فلان» له لفترة ثلاث سنوات.. مجانا، ولتكون تلك خطوته الأولى لكي يصبح.. «فقيها»!

لا أحد يود التفكير في مثل هذه المشاريع ولا في خطورتها، فكيف يمكن لصبي لم يتجاوز السادسة عشرة من العمر بكثير فهم المسائل الدينية وتعقيداتها الفقهية تحت اشراف من يكون هو بحاجة الى اشراف ورشاد، حتى ولو ادعى حمل أعلى الشهادات الصحيحة أو المشكوك في جدواها؟ وكيف اصبحت معرفة دورة المفاتيح أهم من دورة الطب والعلوم الأخرى التي نشكو من نقص كبير فيها؟ وكيف نتفرغ لمثل هذه الدراسات وليس بين المليون و200 ألف مواطن، وبعد ما يقارب السبعين عاما على بدء تصدير النفط مهندس واحد يعرف كيف يستفيد بطريقه اقتصادية من كميات البترول الثقيل التي تتراكم لدينا ولا نمتلك تقنية الاستفادة منها؟ وما الضمان أن هؤلاء «الشباب الذكور» لن ينحرفوا، أو يتم غسل ادمغتهم ودفعهم للقيام بعمليات مشبوهة لمصلحة هذه الجهة أو تلك؟ وما الذي يمكن أن نجنيه من فقه او فهم متخصص في أي مجال من مراهق بعد استماعه لـ«دكتور» لثلاث سنوات، أو حتى لثلاثين سنة؟ ان هذه الأمور يجب عدم السكوت عنها بأي حال، ويا ليت جهة ما تتحرك وتتساءل وتسأل اصحاب تلك المبرة عما يهدفون له من وراء اعلانهم، وما الذي يمكن أن ينتهي اليه مصير شاب جلس مع من لا يكبره بكثير -ثلاث سنوات، ثم ماذا؟ أليس من الأجدى توجيه طاقات هؤلاء الشباب لأنشطة ومجالات نحن بأمس الحاجة اليها، لكي لا يأتي يوم نتباكى فيه على مصير أبنائنا في سجون الدول الأخرى، ونطالب حكومتنا بالتدخل لاطلاق سراحهم؟ أوَلم يحن الوقت ليصبح لدينا «كويتي وأعمل» بدلا من «كويتي وافتخر»؟

يقول المفكر الايراني الراحل علي شريعتي: خير لك أن تقضي وقتك بالسعي لادخال نفسك الجنة، على السعي لاثبات أن غيرك سيدخل النار!.

الارشيف

Back to Top