الأخلاق والضرائب

 يعتقد القارئ محمد ثابت أن اي مجتمع لا يمكن أن يستحق العيش فيه إن لم يهتم بالفئات الضعيفة من مواطنيه كالأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وهؤلاء لا يمكن العناية بهم بغير نظام ضرائب فعال، وليس بالصرف من صندوق ريعي لم يبذل أي جهد في تكوين رأسماله! كما يمكن القول ان نجاح أي رجل اعمال يرتبط بمواهبه الشخصية ومدى مثابرته على العمل الجاد، وما سبق أن قدمته له عائلته والدولة من رعاية نفسية وجسدية وعقلية، وبالتالي يجب عليه القيام، من خلال ما عليه دفعه من ضرائب، وليس بمبادرة خير منه، المساهمة في مشروع رفاهية المجتمع، ليس لتمكين الحكومة فقط من الاستمرار في تقديم خدماتها له ولغيره، بل لترشيد أخلاق أفراد المجتمع أيضا، ومنحهم إحساسا بالمسؤولية عن إدارة الدولة، وحقهم في السؤال عن أين وكيف ينفق ما يدفعونه من ضرائب.

ما يحدث في الكويت، الدولة الريعية الصرف، امر مفسد وغريب، فهناك رسوم شتى تفرض على المواطن والمقيم بصور متعددة، ولكنها ليست بالضريبة، ولا تساهم في تشكيل أخلاقيات المجتمع، ولا تعريفه بفلسفة الضرائب! وإن كانت السلطة تعتقد أن فرض الضرائب سيفقدها هيبتها ويعطي دافعيها الحق في مساءلتها، فهي لا شك مخطئة! فعدم وجودها لم يمنع السؤال البرلماني، ولكنه سؤال لا علاقة له بما يخلقه دفع الضريبة من سلوك إيجابي ومشاركة اجتماعية في تحمل أعباء إدارة الدولة، وبالتالي فإن كل تأخير في فرض الضريبة معناه دفع المواطنين والمقيمين أكثر للإمعان في سلبيتهم، واعتبار ما يجري لا شأن لهم به طالما أن الحكومة أو السلطة هي التي تعطي وتمنح وتكرم! لا شك ان هناك فئات، وبخاصة من كبار رجال الأعمال وملاك العقارات، وحتى من اصحاب الرواتب العليا، يسرهم الوضع الحالي، ولكن هؤلاء لا يعلمون مدى خسارة المجتمع من عدم وجود نظام ضرائب عادل. وفي بريطانيا ينتظر اناس بلهفة كل عام مالي، عشت جزءا منها على مدى سنوات، خروج وزير الخزانة the exchequer من اجتماع مجلس الوزراء ملوحا بحقيبة حمراء قديمة لوسائل الإعلام، تتضمن موازنة وزارته عن السنة التالية، ومنها شرائح الضرائب الجديدة أو المعدلة التي ستفرض على مختلف السلع والخدمات، والتي سيكون لها تأثير مباشر في كل فرد، وستجد أن الجميع تقريبا سيقومون بالتقليل من استهلاكهم للقهوة مثلا، لأن الضرائب زادت عليها، والإقبال على الشاي لأن الضرائب خفضت عليه، وهكذا بالنسبة للكتب ورسوم الجامعة وأنواع المركبات والسلع المختلفة. وبالتالي فإن الضريبة ليست مالا فقط يجبى لتمويل أنشطة الحكومة، بل أداة فعالة ايضا لترشيد استهلاك الفرد، وتقويم أخلاقياته، وتوجيه سلوكه الوجهة التي تراها الحكومة «المنتخبة» أكثر عدلا ومناسبة للمجتمع.

ملاحظة: %70 ممن أطلقت أسماؤهم على الشوارع لا يستحقون أي تكريم، والبعض منهم شارك في نهب ثروات الوطن وتخريبه! ومن ساهم في خيره من أمثال الجنرال هستد لم يحصل على شيء، وهذا أمر يمكن تقبله، وإن على مضض، ولكن ما ذنب عثمان خليل عثمان، الخبير الدستوري الذي كان له الفضل الأكبر في وضع الدستور؟ وماذا عن علماء افادوا البشرية جمعاء بخير اختراعاتهم واكتشافاتهم، ولن نذكر منهم سوى ثلاثة ساهموا في تخفيف آلام مئات الآلاف منا، هذا غير مليارات البشر الآخرين، امثال الكسندر فلمنج، مكتشف البنسلين، ووليم مورتون، مكتشف غاز التخدير، ووليس كارير، مخترع اول جهاز تبريد الهواء، في عام 1902.

الارشيف

Back to Top