الحياة والفلسفة

الفلسفة كلمة إغريقية، تعني، في معناها القديم، محبة الحكمة أو طلب المعرفة، وبالتالي من غير المستغرب معاداة معظم رجال الدين في العالم أجمع لها، وحساسيتهم من دورها في تطوير الفكر. وبالرغم من وضوح المعنى، فإن الأمر تطلب تعريفاً أكثر شمولية ودقة، وبالتالي هي علم يختص في البحث في كل أنواع النشاط البشري، وممارسة النظريات والثقافات البشرية، والميل الشديد للتساؤل والتدقيق في كل شيء، والشك في البديهيات ومادة الفلسفة واسع ومتشعب، ويرتبط بكل أصناف العلوم وبكل جوانب الحياة، وتبقى الفلسفة متفردة عن بقية العلوم والتخصصات، لأنها لا تعفي نفسها من التفكير في نفسها، ومحاولة الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها الكون والوجود، والتركيز على المنطق والتحليل. وسبق أن قال الإمام الغزالي إن «من تمنطق فقد تزندق»! وهنا بعض الأمثلة على استخدام الفلسفة في حياتنا العادية: قام رجل في بداية محاضرة بسرد نكتة طريفة ضحك لها الحضور. وبعد لحظات أعاد إلقاء النكتة ثانية، ولكن عدداً أقل ضحك لها هذه المرة. وعندما كرر سرد النكتة للمرة الثالثة لم يضحك أحد، بل بدا الضيق على البعض. وهنا قال المحاضر الفيلسوف، وهو يبتسم: عندما لا يكون بإمكاننا أن نضحك للنكتة نفسها المرة تلو الأخرى، فلماذا نستمر في الحزن والبكاء على مصيبة ما المرة تلو الأخرى؟ فرد عليه حكيم آخر بأننا هنا بحاجة إلى الفلسفة لكي نتغلب على أحزاننا، ونستمر في الحياة ونتجاوز مصائبنا ونستمر في الحياة! وقال فيلسوف آخر إن أموال الدنيا لا حدود لها، ولكن الحياة محدودة جداً، فلماذا نستخدم المحدود من العمر في اللهث وراء تجميع اللامحدود من المال؟ وقال رابع إن المال الذي نمتلك هو في الحقيقة المال الذي نخرجه من جيوبنا أو حسابنا المصرفي وننفقه، وليس المال الذي لا يزال بين أيدينا أو حسابنا المصرفي! فالمال الذي يبقى في محافظنا أو حسابنا المصرفي ليس مالنا إلى أن نتصرف به وننفقه! وقال خامس، وهذا ما شاهدته شخصياً على الكثير من المهاجرين اللبنانيين لأفريقيا بالذات، إننا عندما نكون في مقتبل العمر ننفق أعمارنا في اللهث وراء الثروة، وعندما نكبر نستخدم ما جمعناه من مال لكي نسترد ما كان لدينا من صحة وعافية. ويلخص بعض الفلاسفة السعادة بأنها ليست ما نمتلك في الحياة، بل في قلة احتياجاتنا في الحياة. وأخيراً، يجب ألاّ ننسى أننا أتينا إلى هذه الدنيا وليس في كفينا أي شيء غير قبض الريح، وسنغادر هذه الدنيا وليس في كفينا شيء غير قبض الريح، فلم كل هذا اللهث وراء المتع والمال؟

ولكن الفلسفة تقول إن من السهل قول هذه الأمور أو كتابتها، ولكن العمل بها هو الصعب. وعادة ما يصبح غالبية البشر، في مرحلة متأخرة جداً من العمر، حكماء أو فلاسفة، ولكن يصبحون كذلك عندما يكون العمر قد قارب على الانتهاء، فلا مال ينفع ولا فلسفة تطمئن، و لا هم من يحزنون.

الارشيف

Back to Top