الإصرار على الجهل

ليس هناك ما يجمع الشعبين الياباني والكويتي، فالفارق بينهما كبير والهوة الفاصلة سحيقة، فشعب الدولة الأولى عالي التعليم في غالبه، مؤدب بشكل عام وقليل الكلام ويحترم الضيف ويقدس العمل الذي يؤديه وينفرد عالميا برفض «البقشيش»، وبالتالي هناك الكثير الذي يمكن تعلمه منه، هذا إن توافرت العزيمة لدى «مسؤولينا» للقيام بهذه المهمة غير السهلة، ومن هذه الأمور ما يمكن أن يغير التركيبة السكانية بشكل كبير، وبصورة إيجابية، وخلال فترة قصيرة نسبيا.

وربما يجمع الشعبين ثراؤهما، ولو أن ثراء الكويتي نقدي زائل، وهو دفعه ربما، لاختيار السهل والمدمر من الحلول لمشاكله، وبالتالي كلف غيره، لرخصه وفهمه، للقيام بالصعب والمتواضع من الأعمال، وكانت نتيجة ذلك ان أصبح ما يزيد على ثلاثة أرباع سكان الكويت من الوافدين، وهذا خلق مجتمعا اتكاليا كسولا، وتسبب في آلاف المشاكل الأمنية والسكانية والمعيشية. أما اليابان الثرية، والتي لا تختلف عن غيرها من الدول الصناعية في ارتفاع مستوى المعيشة فيها، وارتفاع معدل العمر، وقلة المواليد مع ارتفاع أعداد المتقاعدين، فإنها وجهت ثراءها للتنمية الحقيقية، ولم تلجأ، كغيرها من الدول العظمى، للاستعانة بالعمالة الخارجية، وهو واحد من اسهل الحلول، بلد قام بوضع حلول أكثر صعوبة وعملية لمشكلة نقص اليد العاملة لديه، وذلك باللجوء للإنسان الآلي، أو الروبوت، والاعتماد عليه في أداء كثير من الوظائف، وحتى إدارة مصانع كاملة، ووصلت أعداد الروبوتات في اليابان أخيرا إلى أكثر من 422 ألفا، وتلك لا تحتاج إلى رواتب شهرية، ولا إلى إجازات أسبوعية أو سنوية، ولا تضرب عن العمل، ولا تنشغل بالمكالمات الهاتفية، أو التأخر عن الحضور. كما قامت اليابان، في مجالات كثيرة اخرى، باعتماد الميكنة في مجالات كثيرة كمواقف السيارات، وجعلها آلية بالكامل، على مدى 24 ساعة، بحيث يمكن إدخال المركبة في الموقف، والخروج منه، بعد دفع الرسم، من دون الحاجة لوجود شخص واحد. كما تدار مئات محال بيع المواد الاستهلاكية بالطريقة نفسها. وتوجد فنادق صغيرة تدار بطريقة آلية كاملة. كما قامت الحكومة هناك، من خلال المناهج الدراسية والتوعية الاجتماعية المستمرة، بتشجيع العمل التطوعي، سواء في السجون، أو المدارس أو القصور الرسمية، وتكليف النزلاء والطلبة والمتقاعدين بأعمال التنظيف في مرافقهم. ولو قرر رئيس شركة المرافق العمومية في الكويت مثلا للاستعانة بالتقنية اليابانية لاستغنى عن مئات العمال لديه! ولكن هل هذا ما تريده الحكومة؟

الجواب معروف والأسباب، وعلى رأسها الجهل، معروفة!

الارشيف

Back to Top