«داعش» والفكر الأصولي

بعيداً عن كلمات الإدانة والتكفير والشتم، يجب أن نعترف بأن كل ما يشاع ويقال ويكتب ويصرح به من أن حركة أو دولة أو إمارة داعش لا تمثل الإسلام الأصولي، وبعيدة عنه، كلام مرسل وغير صحيح. فمن منطلق تاريخي تمثل داعش المنهج الأصولي إلى حد كبير. والأصولية، بكل أدبياتها، هي المنبع الذي تنهل منه داعش، وغيرها من الحركات الدينية الراديكالية، كالإخوان والنصرة والقاعدة، أفكارها، والطريف أن هذه الأفكار بالذات هي سبب تفرقها في المقام الأول، بسبب تعدد تأويلات نصوصها تبعا لتغير مزاج وخلفية الأطراف المتنفذة في هذه التنظيمات، وخلفياتهم الدينية والتعليمية، ومصالحهم الشخصية وارتباطاتهم الدولية.

فالعنف الذي يمارسه قادة «داعش»، والإرهاب الذي يسبقهم قبل فتح أي مدينة، والمتمثل في حرق كل شيء وقتل حتى الحيوانات، لإلقاء الرعب في النفوس، هو من صميم الفكر المتطرف. كما أن تخيير مسيحيي المناطق التي تسيطر عليها «داعش» وغيرها في سوريا والعراق بين دفع الجزية أو التحول للدين ليس بدعة ولا هو بالأمر الجديد، وليس جريمة، كما يصف الأمر بعض «الاعتذاريين»، فهو أيضا من نتاج المنهج الأصولي، وليس فيه أي تعارض مع تعاليمهم. ولا يجوز هنا التعلل بأن الزمن قد تغير، فإن قبلنا بذلك فعلينا بنسف كل شيء له علاقة بالمنهج القديم.

والدليل على صحة تصرفات «داعش»، من منطلقات دينية بحتة، أن أياً من التنظيمات بغطاء ديني لم تقم بإدانة أي من أعمالها وتصرفاتها بشكل واضح وصريح، والاختلاف، إن وجد بينها وبين «داعش»، فهو في «التكتيك والتوقيت»، وليس في صحة التصرف. أو قد يكون التنديد، إن صح وصدر، من منطلق الخوف أكثر من اعتراضها من سوء التصرف أو التطبيق.

وبالتالي لا معنى للقول ان «داعش» تعمل لهذه الدولة أو تلك المنظمة السرية أو جهاز الموساد، فالحقيقة أن ما تنادي به «داعش» هو ما سبق أن نادت به، وفرضت على مناهج بعض الدول الإسلامية، وعلى مدى عقود طويلة من الزمن. وإن ذهبت «داعش» اليوم فسيكون هناك آخرون ستداعب فكرة تطبيق الدولة الإسلامية مخيلتهم، وسيبذلون جهدا هائلا لأن ترى النور. فالقضاء على «داعش» لا يكون فقط باستخدام السلاح، فهي إلى فناء وزوال حتمي، ولكن يجب أن يصاحب ذلك تغيير في بعض المناهج وتعديل العقليات وتهذيب النفوس وتقبل الآخر وفكرة العيش معه بسلام، فلسنا افضل من غيرنا في شيء، إن لم يكن العكس أقرب للصحة!

الارشيف

Back to Top