مَنْ وراءه؟

الكل يتساءل، من وراء «داعش»؟ من يموّ.له، من يسهّ.ل له تنفيذ عملياته الممتدة من جبال اليمن، مروراً بالسعودية والكويت وسوريا والعراق ولبنان، وصولاً إلى شوارع وملاعب باريس وأوروبا؟

سنشارك السخفاء رأيهم، ونفترض أن إيران هي التي تقف خلف تنظيم داعش. ونصدق من يقول إن أميركا هي التي خلقته، وهي التي تديره، وهي التي ترفض القضاء عليه. وسنؤمن مع القائلين بأن إسرائيل التي يقال إن جرحى التنظيم يتلقون علاجهم في مستشفياتها، وكأن المسافة بينها وبين الرقة لا تتعدى 10 كلم سالكة، هي التي خلقت «داعش» وتموّله. أو أن السعودية وقطر وتركيا، وحتى سوريا هي التي خلقت «داعش» وتملي عليه ما يفعل!

سنصدق كل هؤلاء أو أحدهم، ولكن في النهاية لا يبقى غير المنطق، وهذا يقول إن من يعطي بيد يريد شيئا آخر باليد الأخرى. ولو كان بمقدور أي من هذه الأطراف خلق مثل هذا التنظيم المتوحش، في أفكاره وأفعاله، والذي قلب موازين الأمن في العالم، والسيطرة عليه، بمقدوره أيضاً أن يصبح اللاعب الأقوى في العالم! فبإمكانه، من خلاله الدفع به للقضاء على أعدائه، وتنفيذ مخططاته! ولكن الواقع عكس ذلك! فإيران تعاني الأمرّين، داخلياً وخارجياً، وعاجزة عن حسم الأمور في سوريا أو اليمن أو غيرها لمصلحتها. أما أميركا فقد انسحبت من العراق، وهي تلعق جراحها، وخرجت من أفغانستان من دون أن تستطيع، بعد آلاف القتلى، ومئات مليارات الدولارات، وسنوات حرب طويلة أن تقضي على شرذمة من عصابات طالبان المتخلفة والفقيرة. كما أن إسرائيل عاجزة، حتى بعد 70 عاماً من احتلالها لفلسطين، من القضاء على مقاومة شعبها، ووقف ضربات سكاكين شيبها وشبانها، فكيف تستطيع خلق «داعش»؟ وسوريا هي التي طلبت مساعدة روسيا للقضاء على «داعش»، فكيف تكون خالقته؟

فإن كان «داعش» من صنع اي من الدول اعلاه، فل.مَ لم تفضحها فرنسا مثلاً؟

وما الذي استفادته اي من الدول المتهمة بخلق ودعم «داعش» من هجوم باريس الإرهابي الأخير؟

وأي من الدول أعلاه خططت لقتل آلاف الإيزيديين العراقيين الفقراء، واغتصاب وسلب مئات الراهبات؟

إذن المسألة أعمق من ذلك، ويتطلب الأمر تفسيراً أكثر منطقية، فـ«داعش» لم يأت بجديد، او بأمر أو تصرف لم يكن معلوماً من الدين. وبالتالي هو ليس هجيناً غريباً، ويوجد مثله على الساحة. فالقاعدة وجبهة النصرة وبوكو حرام وغيرها من المنظمات الإسلامية المتطرفة، وحتى تلك التي سبقتها من «التكفير والهجرة» وغيرها، ربما اقترفت، وتقترف جرائم أكثر شناعة من جرائم «داعش»، ولكن بعيدا عن الإعلام، فمن يمول هذه الجماعات؟ وبالتالي المشكلة ليست في «داعش» وتصرفاته، ولا في تجفيف موارده، بل في الفكر الديني الذي يقف وراءه، ويمده بالوقود البشري والمادي. فأبوة «داعش» أو شرعيته ليست مستمدة من تركيا أو أميركا أو إسرائيل، بل مستمدة من شرعيته الدينية، التي دفعت الأزهر لأكثر من مرة لرفض تكفير المنتمين إليه. ولو سمحت الدول العربية لشعوبها بجمع المال لـ«داعش»، والانخراط في صفوفه لرأينا العجب، فهل إسرائيل أو إيران هنا أيضاً وراء ذلك؟

وعليه، فإن المسألة سياسية دينية وفكرية، وتتطلب تضافر مجتمعات ودول كاملة للقضاء عليه تماماً، وهذا ليس بالسهل في ظل حالة الاستبداد، والتخلف، والدكتاتورية التي تعيشها الدول الإسلامية، التي تعتبر أوضاعها ملائمة لاستمرار بقاء «داعش».



أحمد الصراف

 

الارشيف

Back to Top