بنما في ذاكرتي

في كل مرة أسمع فيها «بنما» تتداعى إلى ذاكرتي قناة بنما، المعجزة الهندسية الأكثر غرابة في العالم، كما أتذكر دكتاتورها الأشهر عمر توريخوس، وأتذكر قصة «خياط بنما»

the taylor of panama للإنكليزي جون لوكاريه التي تحوّلت إلى فيلم سينمائي عام 2001، كما أتذكر تاجر المخدرات والسياسي البنمي مانويل نوريغا. والآن، أضفت إلى القائمة «أوراق بنما»، التي تضمنت أسماء ملوك ورؤساء دول وحكومات وتجار سلاح وسياسيين فاسدين وصعاليك، ومئات الآلاف وغيرهم من أصحاب حسابات الأوفشور.

وحساب الأوفشور هو حساب مصرفي، تقوم غالباً مكاتب المحاماة بفتحه لمن يرغب في مصرف يقع في إحدى الدول أو المناطق التي لا تقوم سلطاتها بفرض ضرائب على أرصدة هذه الحسابات، ولا تدقق في حقيقة هوية أو مالكي الشركات المسجّلة لديها، والتي قد تكون بأسماء وهمية، ولها أنشطة واسعة. وبالتالي، تعتبر هذه المناطق الجغرافية ملاذاً آمناً لمن يريد أن يقوم بأنشطة غير مشروعة، أو تبييض أموال، أو إخفاء أسماء الملاك الحقيقيين لشركة ما، ولغيرهم من الأفراد.

يبلغ عدد «أوراق بنما» 5 .11 مليون مستند، تم تهريبها من مكتب المحاماة الدولي موساك فونسيكا، تتضمن أسماء 214488 عميلاً، يعود تاريخ البعض منها إلى السبعينات.

في الكويت، تم تداول أسماء مئة مقيم ومواطن وردت أسماؤهم في تلك الكشوف. ومن الضروري التوضيح هنا أنه ليس كل من ورد اسمه ضمنها هو من المشتبه فيهم. فليس في الكويت، وفي الكثير من دول العالم، ما يمنع مواطنيها أو غيرهم من فتح حسابات أوفشور، أو أن يمتلك شركة أوفشور خارج الكويت. ويصبح الأمر مدعاة للشك متى كانت أرصدة هؤلاء كبيرة جداً، ولا تعكس حقيقة نشاطهم التجاري، أو أنهم كانوا أو ما زالوا من شاغلي الوظائف العامة، أو لم يعرف عنهم الثراء يوماً، أو أنهم متهمون بالقيام بأنشطة غير مشروعة، وهنا يصبح لجؤوهم لفتح حسابات أوفشور أمراً مثيراً للشبهة، لما توفره هذه الحسابات من ملاذ مناسب بعيداً عن أعين الجهات الرقابية أو الضريبية في بلادهم. وبالتالي، تصبح الأسماء أو المعلومات الشخصية التي تم تداولها على وسائل التواصل عن أصحاب حسابات الأوفشور في بنما لا معنى لها من دون معرفة مقدار ما في حسابات هؤلاء من مبالغ، وطبيعة أو حقيقة أنشطتهم.

الغريب أن أغلبية مناطق الأوفشور تقع ضمن سلطات الدول الأكثر فرضاً للضريبة وحذراً من شركات وحسابات الأوفشور كأميركا وبريطانيا، وبالتالي تزايدت أخيراً الدعوات إلى منع هذه الأنشطة للحد من التهرب الضريبي وغسل الأموال. ولكن الأمر يختلف من دولة إلى أخرى، فالكويت مثلاً لا توجد فيها ضرائب.. ولو فرضت، فإن الكثيرين سيقومون بنقل أموالهم إلى بنوك أوفشور لتجنب الضريبة. ويعتقد أن أرصدة حسابات الأوفشور تتجاوز العشرة آلاف مليار دولار.

* * *

• ملاحظة:

انطفأت شمس حياة حمد الجوعان، لكن شموس أعماله ومواقفه الوطنية، بالذات، ستبقى ساطعة في قلوب ونفوس كل من تأثر فيها.. وما أكثرهم!


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top