الكافر والوجيه

أخبرني صديق أنه ذكر اسمي في ديوان «وجيه»، وأن صاحب الديوان أشاح بوجهه، عند سماع اسمي، ووصفني بالكافر. فقلت للصديق ان حركة ذلك «الوجيه» ووصفه وسام على صدري. وما يدور في ديوانه ربما يدور في «دواوين» أخرى، فأنا أعرف «شعبيتي» لدى أمثال هؤلاء، ولا يسعدني الانتماء اليهم. كما أنني لا أحيط نفسي، كما يفعلون، بعض من أصحاب العمائم، ولا اسخر ما يمنح لي من مساحة في الصحافة لنشر رديء شعري في المناسبات الدينية.

لن احاجج ذلك الدعي في وصفه، ولا أعرف ما يعنيه بالدقة عندما قال انني «كافر»، فهل أنا كافر بأسلوب حياته، أو كافر بطريقة سرقاته، أم كافر بطرق احتياله، أم كافر بطائفيته؟

لا شك أن هذا الشخص ليس حالة شاذة في مجتمع يعطي المظاهر أهمية قصوى. مجتمع يعتقد ان من يرتاد المساجد، ويكثر من البسملة والحوقلة، ويوقر رجال الدين، ولو ظاهريا، والذي لا يترك فرضا من دون أدائه في المساجد المكتظة، والذي يحرص على الحج كل عام، هو الذي يستحق الاحترام، وليس الذي لا تشوب سيرته شائبة، والذي يقدس العمل، ويلتزم بمواعيده، ويصدق الآخرين القول، ولا يمد يده الى مال غيره أو مال الدولة، ولا يستبيح قسائمها الصناعية والتجارية، له ولأقربائه!

الكافر، إن وجد، بالمفهوم التقليدي، هو شخص لا يضر أحدا إلا نفسه، وسيذهب للنار، وسيعاقب. ولكن ماذا عن الذي غش الدولة، وكذب مدعيا الإعاقة لكي لا يعمل، أو الذي دخل الانتخابات بوعود غير أخلاقية لناخبيه؟ وماذا عن الذي اشترى اصوات الناخبين، وأصبح بمفهوم البعض «شمعة المجلس»؟ هؤلاء طبعا ليسوا كفرة، بالمفهوم التقليدي، وهم الذين يستحقون الاحترام ولهم صدور المجالس، طالما أنهم يؤدون، ظاهريا، كل فروض الدين.

نعم، الكافر، أو من يدعي الكفر لا يضر إلا نفسه وسمعته، وقد يتجنبه البعض، ولكنه في نهاية المطاف لا يضر أحدا، ولا يخرب بيت أحد بصفته تلك. والكافر ليس بالضرورة معتديا على أملاك الدولة، بصفته كافرا. فالسارق قد يكون متدينا وقد يكون كافرا، بالمفهوم الشائع، ولكن ما هي مكونات كل هذا الجيش الجرار من المخالفين والسراق والمعتدين على أموال الدولة العام، الذين يكذبون في مختلف الإقرارات، والذين يتزوجون صوريا لكي يحصلوا على الإعانة ويطلقون زوجاتهم عمدا لكي يحصلوا على المساعدة، ويكررون الفعل نفسه هنا وهناك، ويطالبون الحكومة ببيوت ويؤجرونها الى الغير، ويذهبون للسكن في دول أخرى.

نعم، انا اعترف بأنني كافر، كافر بطريقة التربية والتعليم في مجتمعاتنا ومدارسنا. كافر بكمّ التزلف والرياء الذي يمارس علنا. كافر بمن يصلي ويسرق، يصوم ويكذب، يحج ويشرب. نعم أنا كافر بكل هذه الأجواء المنافقة التي نعيشها، ومع هذا فقلة فقط تبقى في مكاتبها حتى نهاية ساعات العمل، وقلة تعود لأعمالها بعد أداء الصلاة.

نعم أنا كافر لأنني أرفض ان اسجل إعاقة لا أشكو منها، أو أقبض راتبا لشخص متوفى، وارفض إضافة ابن غيري لملف جنسيتي على أنه ابني، مقابل مبلغ صغر أم كبر. وأرفض تزويج بناتي وتطليقهن لقبض مساعدات الدولة.

قد اكون بنظر هذا الوجيه، وغيره كافرا، ولكني تجاوزت السبعين بسنوات وأعرف جيدا المعنى الحقيقي للكفر!

ملاحظة:

وزيرة الشؤون، السيدة هند: رفعت الوزارة ألف قضية لاسترداد أموال مساعدات صرفت من دون وجه حق!.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top