لا ديموقراطية بغير أحزاب

اتصل بي صديق وطبيب استشاري معروف، وصاحب سمعة طيبة، وقال إنه يود زيارتي لأمر يشغل باله، فرحّبت به، فهذه فرصة لأن يستشيرني من اعتدت استشارته.

دخل في الموضوع مباشرة، بمجرد أن جلس قبالتي، وقال إنه يود الترشح للانتخابات المقبلة، ولكن قبلها يود معرفة رأيي وموقفي! قلت له إنني لا يمكن أن أنصحه بأمر لا أقبله لنفسي، وهو يعرف موقفي المسبق. فقال إن وضعه يختلف عني، وهذا صحيح. وهنا استخدمت تكتيكا آخر، في محاولة لثنيه عن قرار دخول الانتخابات، حيث قلت له إن التجربة ستكلفه الكثير، فقال إنه يفكر في رصد نصف مليون دينار لحملته، وان شركة أجنبية محترفة ستتولى أمر الترويج له، وإنجاح حملته! وهنا اسقط في يدي، حيث كان المبلغ الذي في بالي أقل من ذلك. وهنا قلت إنه طالما بإمكانه صرف نصف مليون على حملته، فهذا يعني أن لديه الملايين، فهز رأسه موافقاً، واضاف ان ما لديه أكثر من حاجته! فقلت له إذا أنت لا تسعى للإثراء من الدخول في السياسة، خاصة أنه لا مناقصات لديك، ولا تعرف عنها شيئا، ولا مشاريع لديك، لأنك لست خبيرا بالتجارة، ولا تمتلك عمارات تحتاج الى تأجيرها لجهات حكومية، وأنت الذي قضى حياته بين جدران غرف العمليات، فما هو هدفك إذا، خاصة أن الشهرة لا تنقصك، ولا السمعة الحسنة كطبيب ماهر، وعلية القوم يتوددون اليك؟ ستقول لي إنك تبحث عن المصلحة العامة، ولكن هل يستحق هذا الهدف غير الواضح، صرف نصف مليون دينار على حملة انتخابية؟ ولم لا يصرف المبلغ لتحقيق المصلحة العامة بطريقة افضل؟ فقال إن لديه أحلاما يريد تحقيقها، وانه يريد خدمة وطنه، وأن يصلح من وضع القطاع الطبي، وغير ذلك من أفكار يعتقد بأهميتها!

قلت له إن كلامه هذا لا يعني الكثير في «السياسة الكويتية»، ذات الطبيعة الخاصة. فلو افترضنا نجاحه في الانتخابات، فما الذي يستطيع القيام به منفردا، في مجلس جاء بعضه بقرار طائفي، والآخر بقرار قبلي، وأغلب هؤلاء همهم وشاغلهم استرداد ما سبق ان صرفوه على حملتهم، والاستفادة المادية من وضعهم، ومن ثم قضاء ما تبقى من وقت لديهم في إرضاء طوائفهم وقواعدهم الانتخابية وقبائلهم، قبل إرضاء ضمائرهم، أو خدمة وطنهم! وقلت له إن هناك عشرات النواب، من المجلس السابق، لا يعرفهم أحد، لأنهم لم يشاركوا يوما في مناقشة أي قانون، علما بأن القوانين كانت تقر «سلقا»، قبل أن يتمكن أي عضو من فتح فمه طالبا النقاش! فعن أي إصلاح تتكلم وكيف ستسعى الى تحقيقه منفردا؟

وهنا قام صديقي فجأة من مقعده، ومد يده مودعا، وابتسامة ترتسم على وجهه، وقال: لقد أرحتني بكلامك، وسأرى كيف سأنفق نصف المليون على مشروع افضل.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top