الحاجة للإنسانية

ليس هناك شعب أو أمة، عرفت ما يجري في العالم من حولها، واختارت بعدها أن تعيش بمعزل عن الجميع إلى الأبد، على اساس أنه الأفضل! فهذا ليس منطقيا، بعد أن أصبح العالم بالفعل قرية كبيرة واحدة!

***

فقد عبدالرحيم، الجندي الأفغاني المسلم، كلتا يديه اثر انفجار لغم أرضي به كاد أن يودي بحياته. عاش عبدالرحيم حياة بائسة، وكان يتمنى لو انه لقي حتفه في ذلك الحادث، فقد أصبحت حياته لا تطاق، بعد أن اصبح عاجزاً عن أداء اي عمل، في مجتمع ظالم وقاسي القلب!

أما جوزيف فهو مواطن هندي مسيحي، كان يعيش مع زوجته وابنته في إحدى مدن ولاية كيرالا المميزة، ولكنه أصيب فجأة بحادث أدى تالياً الى أن يصاب بشلل في الدماغ، جعله «إكلينيكيا» ميتاً.

أما الهندي سوبرمانيان آير dr subramanian iyer، فهو بروفيسور ورئيس وحدة الجراحات التجميلية في مستشفى أمريتا amrita، ومؤلف أكثر من 50 ورقة طبية و3 كتب في مجال تخصصه، وهو هندوسي مؤمن.

التقى الطبيب الهندوسي، بترتيب مسبق، بالمسلم الأفغاني عبدالرحيم، و«ببعض من جوزيف» الكاثوليكي، في غرفة العمليات، حيث أجريت عملية جراحية دقيقة، نقل فيها الجراح يدي جوزيف الميت اكلينيكيا الى عبدالرحيم، الذي يعيش بلا يدين.

ثم بعدها بأيام ظهر الدكتور سوبرمانيان وعبدالرحيم، وزوجة جوزيف وابنته، أمام وسائل الإعلام للإعلان ليس فقط عن نجاح العملية، بل وعن ذلك الحدث التاريخي بإنسانيته، ووقفت أرملة جوزيف وابنته لتعربا عن سعادتهما بلمس يدي جوزيف، اللتين طالما داعبتاهما، واللتين أصبحتا الآن لدى من كان بأمس الحاجة لهما، على الرغم من أنه من غير جنسهما ولا جنسيتهما، أو ديانتهما، فالإنسانية لا تعرف الحدود والتفرقة.

إن مثل هذا العمل الإنساني البسيط، والبالغ في روعة معانيه، لا يمكن أن يحدث ما يماثله في اوطاننا؟ فكم نسبة أولئك الذين يقبلون نقل عضو من جسد قريب لهم، توفي إكلينيكيا، لعامل هندوسي أو بوذي مثلا، حتى لو كان بأمس الحاجة له؟ هل نقبل أن نتبرع بدمائنا «الغير شكل»، لإنقاذ حياة مسيحي يحتاج الى قطرة دم وهو تحت يد الجراح، وقد يلقى حتفه إن لم يحصل على حاجته؟ هل من السهولة أن نعطي عضواً من جسد قريب ميت لمن هو بحاجة له، ومن غير المسلمين أو من عقيدتهم؟

لماذا لا نتردد لحظة في الاستعانة بأعضاء الغير، وبدمائهم وبعلمهم، وأحياناً كثيرة بالزواج من فتياتهم، ولكننا في الوقت نفسه لا نبخل فقط على الغير بأعضائنا «الطاهرة»، بل ونحرم إعطاءها لهم!

الإنسانية لا تعرف حدوداً ولا هوية، ولا أطراً، بل هي كالعدالة، عمياء، لا يستطيع المؤمن بها التفريق، في ما يعطيه، من مال أو طعام أو خبرة أو مساعدة أو علم بين أبيض أو أصفر أو أسود البشرة، مسلم أو بوذي، فالجميع بشر، والأكثر حاجة هو الأكثر استحقاقا، وهذا ما نحتاج الى تعليمه لأبنائنا في البيوت والمدارس.. أن يكونوا إنسانيين أكثر!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top