سهولة الموت

بعيداً عن كلمات الإدانة والتكفير والشتم، يجب أن نعترف بأن كل ما يقال ويكتب من أن «داعش» لا تمثل الإسلام الأصولي، وبعيدة عنه، كلام غير صحيح. فمن منطلق تاريخي تمثل «داعش» المنهج الأصولي بكل أدبياته، وهو المنبع الذي تنهل هي وغيرها من الحركات الدينية الراديكالية، كالإخوان والقاعدة، أفكارها منه، وهي الأفكار نفسها التي فرَّقتهم، بسبب تعدد تأويلاتهم للنصوص، تبعاً لمزاج زعماء هذه التنظيمات، وخلفياتهم الدينية والتعليمية، ومصالحهم الشخصية وارتباطاتهم الدولية.
هذا ما سبق أن كتبته، وكررت ما يماثله قبلها وبعدها في أكثر من مئة مقال، وبأن «داعش» ليست مرتهنة، فكريا وسياسيا على الأقل، لأي جهة كانت، دون أن أستبعد تلقيها دعما لوجستيا من هنا أو هناك.
خالفني الكل تقريباً في ذلك، وذكر كل طرف، وبكل ثقة، اسم دولة أو اخرى تقف وراء التنظيم، ابتداء من النظام السوري، وانتهاء بإسرائيل، مروراً بأميركا والعراق وبريطانيا، وتركيا وإيران وبعض الدول الخليجية. وقد بذلت قيادة «داعش» جهدها لتثبت لجميع هؤلاء، واحدا تلو الآخر، خطأ استنتاجاتهم، بعد أن نكلت بمواطني كل هذه الدول مباشرة أو بصورة غير مباشرة، وكبدت نفسها والآخرين خسائر بعشرات الآلاف وممتلكات بمئات المليارات، وعدداً لا يُحصى من المصابين واللاجئين!
ومن يدَّعي أن «داعش» لا تمثل فكر دين معين، لا يعرف حقيقة فكر التنظيم، ولا يدرك أنها تطبق المناهج التي يدرِّسها الأزهر في مدارسه وكلياته وجوامعه، ولهذا رفضت إمامة الأزهر وكل المراكز الدينية الإسلامية الأخرى، سنية او شيعية، تكفير «داعش» أو تأثيم منطلقاتها، مع رفع العتب عن نفسها بشجب وحشيتها. والحقيقة التي لا نود الحديث عنها أننا بالفعل يكره بعضنا بعضا، ونتمنى الشر لأتباع الطوائف المخالفة لنا، ولو كان بإمكان أي طرف منا التحكم في رقاب الطرف الآخر، دون أن ندان، لما ترددنا في إنزال أكبر الجرائم بعضنا بحق بعض! فقد مثَّل الشيعة بالشيعة في العراق، وقتل بعضهم من بعض مثلما فعلوا مع مناوئيهم من السنة. واقترف هؤلاء نفس ما اقترفه الشيعة بعضهم بحق بعض وبغيرهم. كما قام مسلمون سنة في صعيد مصر قبل فترة بقتل مسلمين شيعة وسط زغاريد النساء وتكبير الرجال!
ولو قام أي طرف بمراجعة مناهج وكتب المراكز الدينية التي يلتحق بها كل صباح الملايين من طالبي «العلم الديني» في كل العالم الإسلامي، لما وجد في ما يدرس فيها ما يختلف عما تنادي به قيادة «داعش» في ما يتعلق بمعاملة الذمي والكافر وكيفية التصرف بالسبايا والعبيد، وغير ذلك من أحكام.
ولكي نضع حداً لهذا اللغط الدائر في أذهان الكثيرين عن حقيقة الجهة التي تقف وراء التنظيم الإرهابي، الذي أصبح منتشراً بالفعل في عشرات الدول، فإننا نود منهم أن يتساءلوا معنا عن الدولة التي بمقدورها تزيين الموت في عيون عشرات الآلاف من مقاتلي تنظيم داعش من أجل تحقيق أهداف تلك الدولة؟ فما نراه الآن على أرض الواقع أن رجال «داعش يستميتون» بالفعل في الدفاع عن مواقعهم في الرقة والموصل، وعلى استعداد للموت بسهولة في سبيل هدف ما! فهل لإيران أو إسرائيل مثلاً، القدرة على إقناع هؤلاء بالموت بكل تلك السهولة لتحقيق أهداف آيات الله أو حاخامات إسرائيل؟ من الإجابة المجردة على هذا السؤال، يمكن معرفة من يقف وراء «داعش»!
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top