غصة المرحوم جميل

أكاد أجزم بأن المرحوم جميل السلطان، الذي توفي نتيجة مرض عضال، غادرنا وفي قلبه غصة لما فعلته القرارات الحكومية بالكثير من أعماله وأحلامه، ومنها مشروع المنطقة الحرة، الذي قامت بمصادرته من الشركة الوطنية، التي كان يديرها، فلا فلحت في إدارتها، ولا تركته يديرها، وهذه قمة الفوضى الإدارية الضاربة أطنابها، في جسد النشاط الاقتصادي برمته.
أبرمت الحكومة عقد المنطقة الحرة مع الشركة الوطنية العقارية عام 1998. ومنذ السنة الأولى باشرت الشركة بتأهيل المنطقة، وجعلها صالحة للاستغلال من قبل الشركات العالمية الأجنبية والمحلية، وإعادة تأهيل المناطق الخربة في الميناء القديم، التي بقيت أراضي فضاء غير مستغلة لسنوات طويلة. كما قامت بتوصيل المياه والكهرباء لكل المكاتب والمخازن، وبناء شبكة طرق عالية الجودة، والقيام بكل أعمال البنية التحتية، وتشجير المنطقة وجعلها جميلة، كل ذلك ساهم في ازدهار المنطقة خلال فترة وجيزة، وسير العمل بها بشكل سهل، على الرغم من تلكؤ مختلف الجهات الحكومية في التعاون معها، ووضع العراقيل أمامها وتأخير إصدار النظم واللوائح المتعلقة بها، وتأخير الموافقات على طريقة «كتابنا وكتابكم»، مع تقاعس مؤسسة الموانئ في تسليم بقية الأصول المتبقية، حسب عقد استثمار المنطقة، ومع كل ذلك سار العمل بشكل سريع نتيجة حيوية الإدارة وعدم رغبتها في التوقف أمام صغائر الأمور.
فجأة، أصدر مجلس الوزراء عام 2002 قرارا بفسخ عقد المنطقة الحرة، بناء على توصية من وزير التجارة (صلاح خورشيد) بحجة وجود مخالفات جسيمة!
اعترضت الشركة على قرار الفسخ، فقرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة للنظر في التظلم، فتبين للجنة أن المخالفات مزعومة، وبذلك صدرت الأوامر بوقف فسخ العقد، واستمرار الشركة في عقد الاستثمار، ولكن الجهات الحكومية استمرت في عرقلة عمل الشركة، والمنطقة الحرة بالتالي، ورفض إصدار التراخيص. ثم جاء قرار وزير التجارة (فلاح الهاجري) عام 2006 ليفسخ العقد، للمرة الثانية، وهذه المرة دون الإشارة لأي مبررات أو مخالفات، مع إحالة إدارة المنطقة لهيئة الصناعة، لتبقى في يدها حتى يومنا هذا بعد سلسلة من الأحكام القضائية.
لسنا هنا في موضع الدفاع عن الشركة ومساهميها، وليس لنا مصلحة مباشرة مع أي طرف. كما أننا غير معنيين بمناقشة صحة قرار فسخ العقد، فهذا تم الانتهاء منه بحكم محكمة التمييز، ولكننا معنيون بتسليط الضوء على كل هذا التخبط الذي نعيشه في كل مجال تقريبا.
فكيف قبلت الحكومة على نفسها سحب المنطقة من الشركة من دون أن يكون لديها الدراية أو الخطة اللازمة لإدارتها؟ ماذا استفاد الاقتصاد من فسخ العقد، وهل أصبحت المنطقة الحرة في وضع أفضل وانتهت المخالفات أو عولجت؟ الجواب «لا» كبيرة، فقد تدهور وضعها وأصبحت أقرب للفوضى الكاملة منها لأي شيء آخر، واختفت المساحات الخضراء فيها، ويبست أشجارها، وزادت أكوام الأنقاض والقمامة فيها، وتلفت طرقاتها، بسبب انعدام الصيانة، وغير معروف وضع وحالة بنيتها التحتية، وكل ذلك جعلها منطقة طاردة للمستثمر.. والسلام عليكم.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top