رسالة وأمنية

أصيبت سيدة كويتية بمرض عضال لا شفاء منه، وقبل وفاتها المتوقعة كتبت رسالة وداع حزينة، ونشرتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن وحي تلك الرسالة الحزينة، التي تقطر كلماتها ألما، جاء هذا المقال، حيث تقول: «.. عند موتي لن أقلق، ولن اهتم بجسدي البالي، فالمسلمون سيقومون باللازم. سيجردونني من ملابسي، ويغسلونني ويكفنونني ويخرجونني من بيتي ويذهبون بي لمسكني الجديد، القبر. كما سيأتي الكثيرون لتشييع جنازتي، وسيلغي الكثير منهم أعمالهم لأجل دفني!
أغراضي سيتم التخلص منها، مفاتيحي، كتبي، حقيبتي، أحذيتي، ملابسي، وإن كان أهلي موفقين، فسيتصدقون بها لتنفعني، وتأكدوا أن الدنيا لن تحزن علي، ولا العالم، وسيستمر الاقتصاد، ووظيفتي سيأتي غيري ليقوم بها، وأموالي ستذهب حلالاً للورثة، بينما أنا التي ستحاسب عن النقير والقطمير.
أول ما يسقط مني عند موتي هو اسمي، لذلك عندما اموت سيقولون: أين الجثة؟
ولا ينادونني باسمي. وعندما يريدون الصلاة علي سيقولون احضروا الجنازة، ولا ينادونني باسمي. وعندما يشرعون بدفني سيقولون قربوا الميت ولا ينادون باسمي!
فهنا لن تغرك قبيلة أحد أو منصب أو نسب، فما أتفه هذه الدنيا وما أعظم ما نحن مقبلون عليه.
الحزن عليك سيكون ثلاثة أنواع، ناس يعرفونك سطحياً، وسيقولون «مسكين»، وأصدقاء سيحزنون ساعات أو أياماً ثم يعودون إلى سوالفهم وضحكهم، أما الحزن العميق فسيكون في البيت، بين الأهل، وحتى هذا سيستمر أسبوعا أو شهرا أو حتى سنة، ومن ثم ستبقى الذكريات.. وهكذا تنتهي قصتي بين الناس، وتبدأ القصة الحقيقية، وهي مع الآخرة..!»
إلى آخر الرسالة الحزينة.
***
ما شدني في هذه الرسالة كم الحزن والواقعية فيها. ولفت انتباهي ما ورد في نهايتها من تساؤلات تتعلق جميعها بالآخرة، كالسؤال عن ماذا أعددنا لقبرنا وآخرتنا؟ وهل حرصنا على أداء الفرائض والنوافل وصدقة السر، والعمل الصالح؟ وهذه وغيرها مقولات تتكرر من الكثيرين، وهي ترضي النفوس وتطمئن القلوب، وتسكّن الخاطر من هول اللحظة، ولكن ماذا عن الدنيا؟ لماذا لا احد يهتم بها؟ هل يكفي أن نصلي ونصوم ونتصدق أو نزكي أو نساعد الفقير، لنكون قد ادينا دورنا في هذه الحياة؟
لماذا يختلف الآخرون عنا في شديد اهتمامهم بالدنيا، كاهتمام بعضهم بالآخرة، من منظورهم الخاص؟
لماذا لا نحاول أن نغرس في نفوس وعقول الناشئة ان من المهم أن نترك أثرا في دنيانا يفيد البشرية، يفيد صحة الإنسان، يفيد الطب، يفيد العلم، يفيد التقدم، يفيد في محاربة الأمراض، يفيد في تطوير الأمصال، يفيد في القضاء على الأمية، ويفيد في توفير مياه الشفة لكل إنسان، يفيد في القضاء على الفقر والجهل ومعاناة 66 مليون لاجئ في العالم.
لماذا تخلو ثقافتنا، واحاديثنا، ومقررات مدارسنا، من مواد حث الفرد على الاهتمام بالدنيا، كاهتمامها بالعمل للآخرة؟
أليس من المستغرب أن تدوم الإمبراطورية العثمانية 600 عام، وتفشل في أن تعطي البشرية عالما يشار إليه بالبنان، وجيرانها الأوروبيون أعطوها آلاف العلماء والمكتشفين؟
سؤال في جوابه نهاية لتخلفنا.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top