تعقيب على مقال الغبرا

يبدو أن الزميل حامد الحمود ليس الوحيد بين «مفكري الكويت»، ممن يعتقدون أنه من الممكن والضروري، دمج حركة الإخوان المسلمين في الحراك السياسي، كتيار فعال، فقد كتب الزميل والصديق شفيق الغبرا مقالا في بداية الشهر، استغرب فيه قيام مجموعة من الدول العربية المؤثرة اعتبار الإخوان تنظيما إرهابيا، وأن قرارهم يثير تساؤلات عن مدى تماهي النظام العربي مع إعلانات الإرهاب الأميركية، التي تخلط بين المقاومة والعنف والإرهاب. وتساءل عما تغير بحيث يتم الآن الانقلاب على الإخوان، الذين طالما كانوا الطرف السياسي، الذي تحالف معه النظام العربي في مراحل مختلفة؟ والجواب على التساؤل بسيط، فليست هناك تحالفات أو مبادئ ثابتة في السياسة، بل مصالح دائمة، ومصالح الدول قد تتغير بتغير القيادات، أو بغيرها.
واعتراض الزميل الغبرا إنكار البعض حق الإخوان في ممارسة العمل السياسي، وإن ذلك يعني احتكارهم للسلطة ومصادرتها، وهذا كلام غير واقعي! فالإخوان ليسوا فصيلا سياسيا عاديا، بل هم جهة إرهابية، ومنعهم من ممارسة العمل السياسي، حتى لو أدى إلى احتكار غيرهم للسلطة، أفضل بكثير من تسليمها لهم. فالشيطان «المدني» الذي تعرفه، والذي قد لا يكون شيطانا أصلا، أفضل بكثير من الشيطان «العقائدي» الذي لا تعرفه. ولو أدرك الألمان، في بداية الثلاثينات، ما كانت تمثله النازية من خطر عليهم وعلى العالم، لما أعطوا أصواتهم لها في الانتخابات النيابية!
لا أنكر طول باع الزميلين الحمود والغبرا في القضايا السياسية، ولكنهما ربما لم يستوعبا بعد مدى ما يشكله الفكر الديني الإسلامي، المتمثل بحركة الإخوان المسلمين من خطورة على سلم أي بلد. وتشبيه الإخوان المسلمين بالأحزاب المسيحية الأوروبية فيه تسطيح فاضح ومقارنة غير سليمة أبدا. ففكر الأحزاب المسيحية الأوروبية لا ينطلق من فهمهم لنصوص مقدسة لا يمكن زحزحته، ولا إعادة تأويله، بل هي أحزاب سياسية تعمل في مجتمعات لا دينية أصلا، وعلاقتها بالدين تقتصر على يمينية أفكارها الاقتصادية، ورغبتها في تطبيق القيم الكنسية المتسامحة في مجتمعاتها، دون إرهاب أو تسلط أو انفراد أو ادعاء بحق تمثيل الرب، أو احتكار حق تفسير نصوص الكتاب المقدس، وهي قد تفوز أو تخسر أي انتخابات، وقد تتحالف مع أحزاب شيوعية وجماعات ملحدة وغيرها، ولا تفسر خسارتها لأي انتخابات بالمؤامرة.
يقول الأستاذ شفيق إن الإخوان، والتيار الحقوقي الديموقراطي العربي، يعاقبون بصورة جماعية على تجرؤوهم على المشاركة في ثورات 2011. وهذا كلام غير دقيق، فما المقصود بـ«التيار الحقوقي»، ومن الذي يمثلهم؟ وهل نسي أن الإخوان تسلموا حكم مصر، وأضاعوه بإرهابهم وتهميش غيرهم؟ وهل نسي حكمهم التسلطي لغزة، وحكمهم الدكتاتوري للسودان، ولتونس، التي كادوا أن يحرقوها؟
إن تطرف الإخوان وعدوانيتهم ورغبتهم في احتكار السلطة أدى إلى فقدهم الكثير من قوتهم، وبالتالي فإن عملية الإقصاء التي يتعرضون لها الآن هي نوع من عودة الوعي لمن يقوم بإقصائهم، وليست نوعا من العقاب.
كما أن قول الغبرا إن محاربة «النظام العربي» للإخوان لا يستهدفهم وحدهم، بل يستهدف كل ممارسي العمل السياسي وتنظيم الأحزاب، والمطالبين بالحريات والمساءلة، وقد يكون هذا صحيحا، ولكنه يعلم جيدا أن وصول الإخوان إلى الحكم سيجعلهم تلقائيا كـ«النظام العربي» في محاربة المطالبين بالحريات والمساواة والمساءلة السياسية وغيرها. وقد يجد «النظام العربي» لنفسه مخرجا مستقبلا، ويصبح أكثر مرونة وديموقراطية، ولكن فهمهم للنصوص الدينية، التي كبل الإخوان أنفسهم بها، والتي لم يعلنوا يوما تخليهم عن هذا الفهم، تجعل من الاستحالة التفكير في أنه سيأتي يوم يصبحون فيه من دعاة الحرية والمساواة والمشاركة في الحكم، فهذا يفرغ حركتهم من جوهر فكرهم الديني الاحتكاري.
وبالتالي فإن تخوف الأنظمة العربية من الإخوان المسلمين ليس مبالغا فيه، ولا أرى غير الاجتثاث شعارا للمرحلة القادمة، التي أتمنى ألا تطول. فالقول إن عدم الاعتراف بأن الإخوان المسلمين مروا بتجارب ساهمت في إنضاج تصوراتهم وقبولهم بقواعد الديموقراطية فيه تجنٍّ مقصود، كلام غير سليم بالمطلق. فليس هناك دليل واحد على نضوج تصورات الإخوان، وقبولهم باللعبة الديموقراطية، فشعار السيفين وكلمة «وأعدوا»، كما هي، لا تدل إلا على احتكار الحقيقة، وعلى أن الخيار أصلا ليس بأيدي قادتهم، بل بما اعتمده فكرهم على نصوص لا تسمح لطرف آخر بالحكم، وهنا مربط الخيل!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top