إعادة تأهيل شعب

لا يختلف عاقلان على أن ما يجري على الساحة المحلية، وبالتبعية على الساحة الخليجية، مؤلم، ويدمي الفؤاد، ويملأ القلب حسرة، وكل ذلك بسبب سنوات الجهل والتجهيل التي أدت بنا إلى هذا الوضع المأساوي الذي نحن فيه.
فما نراه محلياً من حقد طائفي، وتراشق سباب واتهامات حادة بين أطياف المجتمع، بجهاله وسياسييه، ليس وليد اليوم والساعة، بل هو نتاج تراكم عملية التجهيل، والفشل المتكرر، على مدى نصف قرن، والفشل في خلق مواطن لا يعرف مصلحة وطنه، ولا حتى مصلحته الشخصية، بعد أن أعمته أحقاده الدينية الطائفية عن رؤية الحقيقة، وخلقت لديه استعداداً لحرق الوطن، بمن فيه، من أجل فكرة خيالية لا دليل على صحتها.
لا استثني أحداً، فجميعنا هنا مخطئون، ويجب بالتالي أن نتحمل نتيجة هذا الخطأ الذي ارتكبناه، بعضنا في حق بعض، وقبل ذلك في حق وطننا الصغير والجميل، ويجب بالتالي تحمل نتيجة هذا الخطأ.
لقد حذّرنا كثيرا وكثيرا وكثيرا من التطرف الديني، لدرجة تجاسر الكثيرون فيها علينا، وتهديد أمننا الشخصي، وتأليب الجهلة علينا، ونعتنا بأكثر الأوصاف سوءاً، وأكثرها، من وجهة نظرنا، تشريفاً.
إن تطرف أي جهة مذهبياً، في غياب أي عقاب أو محاسبة حكومية، لا يجعل تلك الجهة تتمادى في تطرفها فقط، بل وستدفع حتما الجهة المناوئة لها إلى أن تتطرف أيضاً وتتخندق، وتبحث عمن يحميها ويوفر له الدعم المادي واللوجستي، وهذا حتما ليس تبريرا للبحث عن طرف خارجي والاحتماء به.
لقد انتقدنا كثيرا دعوة عتاه الدعاة، من متطرفي السنة والشيعة، لزيارة البلاد، وتخريب عقول الناشئة، وحتى عقول أولئك الذين يحسبون أنفسهم «عقلاء»، وشحنهم طائفيا ضد الطرف الآخر، ولكن لا أحد اهتم أو التفت إلى ما كتبناه المرة تلو الأخرى.
كما طالبنا بوقف كل هذه الجرعات التعليمية من المواد الدينية في مختلف المستويات، وإغلاق كلية الشريعة، ومراقبة الجمعيات والمبرات المسماة بالخيرية، لكلا الطرفين، وحظر المخالف منها، وليس التساهل معها سنة بعد أخرى.
كما طالبنا مرارا وتكرارا بوقف المنع «غير المعلن» على شغل أبناء فئة معينة لوظائف محددة، فهذا تصرف غير أخلاقي، وغير وطني.
وطالبنا بتكثيف تدريس التربية الوطنية وتدريس الأخلاق في المناهج، وبالتالي فكل ما يحدث الآن ما هو إلا نتيجة للتساهل في تلك الأمور، والتغاضي عن مواقف وآراء المتطرفين وغلاة الدعاة.
إن هذا الوطن لا يتحمل كل هذا الحقد، ويجب أن يعرف الجميع حجمه، سياسيا وطائفيا! وإن داس البعض على أصابع البعض الآخر، حتى عمدا، فإن ذلك لا يعني أن الوطن، والطائفة برمتها، يجب أن تدفع الثمن، فهذا جنون ما بعده جنون. كما علينا جميعا أن نخضع لحكم القانون، ونحترم أحكام القضاء، مهما كانت طبيعتها، ونعمل بموجبها، ونبتعد عن تكفير وتخوين بعضنا لبعض، وألا نسكت في الوقت نفسه عن أي انتهاكات لحقوق الأبرياء، تحت أي ذريعة كانت.
يبدو أننا جميعا بحاجة إلى إعادة تأهيل نفسي، ووطني….!!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top