محاضرة يوفال هراري

يعمل البروفيسور هراري في الجامعة العبرية في إسرائيل، وهو من مواليد 1976، وله مجموعة كتب شيقة ترجمت لعدة لغات، وكتابه سابيانس sapiens 2011، هو الأكثر شهرة ومبيعا. يقول هراري في محاضرته التي وضعت على اليوتيوب في 5 يوليو 2017، ورابطها https://youtu.be/sl0fnid-xtc:
هذه قصتنا نحن «الهوموسيبيانس» وكيف قمنا بغزو الأرض وأصبحنا النوع السائد. بدأت القصة قبل 100 ألف عام، عندما كانت الأرض مكانا مختلفا عما هي عليه الآن. فبالإضافة إلى نوعنا في شرق افريقيا، كان هناك 5 أنواع آخرى من البشر، وقد لا يصدق البعض ذلك، ولكن ما يثبت ذلك أن البشر اليوم، وفي أي منطقة يكونون، هم من نوع واحد، ولكن كل الحيوانات الأخرى تأتي في أنواع مختلفة، كالدببة والقرود، إلا البشر، لأن نوعنا قضى على الأنواع الأخرى، واصبحنا الحيوان الأهم على الأرض، عددا وقدرة، وتحولنا تاليا من كائن كالشمبانزي غير مهم لا يعبأ إلا بشؤونه الخاصة، إلى أعظم قوة على الأرض، بعد أن اصبح بإمكاننا اكتساب القدرة على صنع الحياة، بنوعية مختلفة. فبعد مليارات السنين من تطور كل أشكال الحياة على مبدأ الانتخاب الطبيعي، أصبح بالإمكان الآن تقديم مبدأ جديد، وإحداث تغيير جذري في قوانين الحياة باستبدال الانتخاب الطبيعي بالتصميم الذكي. فبعد أن كانت الحياة مقتصرة طوال الأربعة ملايين سنة على التفاعلات العضوية، اصبح العلم يحاول أن يجعل الحياة تخرج من نطاق المواد غير العضوية، غير المحدودة. وبالتالي فقد تم خلال المئة ألف سنة الماضية تحول كائن أفريقي غير مهم، إلى قوة كبيرة، فكيف وصلنا إلى هنا؟ وما هو السر في نجاح الهوموسيبيانس وبقائهم وتميزهم عن بقية الحيوانات؟
يحب البعض إسناد الفضل لقدرات الأفراد المميزين، ولكن هذا غير دقيق تماما، فنحن على المستوى الفردي لنا فرصة حياة اقل من الشمبانزي، لو أصبح أحدنا معه في جزيرة نائية، إلا أن تفوقنا يأتي من عملنا الجمعي، فهو السبب في قدرتنا على السيطرة على كوكبنا وما فيه، فنحن الحيوان الوحيد القادر على التعاون بمرونة بعضه مع بعض، وبأعداد كبيرة. أما الحيوانات الأخرى فجميعها لا مرونة لديها، وإن تعاونت فبأعداد صغيرة جدا.
ولكن ما الذي مكن البشر، دون غيرهم، من التواصل والعمل بمرونة؟ والجواب هو القدرة على الخيال، فهو الذي مكننا من السيطرة على العالم، وجعل الآخرين يصدقون قصصنا الخيالية والأسطورة والخرافة، وجعلهم يتبعون نفس القوانين والعادات والقيم. أما بقية الحيوانات فإن أنظمتها تصلح لوصف الواقع امامها فقط. فنحن لا نستطيع إقناع شمبانزي بأن يعطينا الموزة التي لديه، على أمل أن يحصل على الكثير منها بعد موته! أما البشر فمن السهل دفعهم لتصديق ذلك. ولذلك نحن نسيطر على العالم من خلال أفكار خيالية كحقوق الإنسان والوطن والأمة، وجميعها أمور غير ملموسة، كما الحال مع الورقة النقدية، وهي القصة الخيالية الوحيدة التي يؤمن بها البشر جميعا، ولكن من الصعب جدا أن تقنع الناس بتصديق خيال ما وترك آخر، علما بأن غالبية الحروب وقعت نتيجة صعوبة اقناع الجميع بنفس القصة الخيالية، وبالتالي فصراع البشر كان في حالات قليلة من أجل الأرض أو الطعام، اما السبب الأهم فكان الخيال.
ولمعرفة ما إذا كان أمر ما كيانا حقيقيا أم لا، فإن هذا يعتمد على معاناة ذلك الكيان، فالأمة لا تعاني أو تتألم، فلا مشاعر ولا أحاسيس لها، بل أفراد الأمة هم الذين يعانون. والشيء نفسه ينطبق على الشركات، فأصحابها يعانون إن أفلست، وكذلك الحيوانات تعاني.
وبالتالي أمامنا قرارات صعبة يتطلب الأمر اتخاذها وخاصة في ما يتعلق بمستقبل الحياة على الأرض، وهذا يتطلب القدرة على التفريق بين الحقيقة والخيال، وهذا أفضل للبشرية جمعاء، لأننا حاليا نتسبب في معاناة الكيانات الحقيقية في سبيل إسعاد ومنفعة كيانات وهمية، لا توجد إلا في مخيلتنا!
ولفهم وجهة نظر المحاضر، فإن هذا يتطلب أن ننظر حولنا ونتساءل عن السبب وراء كل خلافاتنا وحروبنا.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top