لعلكم تفلحون

هذا المقال رد على تساؤلات البعض عن سبب عدم تفاعلنا مع الأحداث الأخيرة، وتعليقنا المباشر عليها.
لا شك في أننا نعيش أزمة أخلاقية قبل أن تكون أزمة سياسية أو طائفية. وأي انحدار أو انجرار في التعليق على أحداث «خلية العبدلي» سيلقى تفسيراً أبعد ما يكون عن الصواب أو ما توخاه الكاتب، وأفضل مثال ما نال بيان من نقد، وما ورد في افتتاحية القبس عنه.
الوضع برمته يدعو إلى الغثيان، فقد فشلنا جميعاً، حكومة وشعباً، في أن نخلق من بضع مئات الآلاف من طلبة المدارس مواطنين صالحين في دولة تتحكم حكومتها في المواطن من يوم ولادته حتى يوم دفنه في أراضيها، وبأيدي عمالها.
فشلنا كان غريباً ومعيباً، فالخطر كان واضحاً جلياً، والمال والمادة التعليمية كانا متوافرين، والنفوس طرية ومهيئة لامتصاص كل جميل، والعدد صغيراً، ومقدوراً عليه، ومع هذا فشلنا لأن لا أحد فكر في ما ستؤول إليه الأمور إن أصيب المجتمع بصدمة أخلاقية أو سياسية، كالتي وجدنا أنفسنا في خضمها، فحدث ما حدث وانكشفت الوجوه، وظهر التعصب وكشرت الطائفية البغيضة عن أنيابها، ووقعنا صرعى لمنطقها الأعوج، ونحن على علم باعوجاجه وسقمه.
عشنا طوال أربعين عاماً ونحن نرى ونحذر من النفخ في قربة التطرف الديني، ومن كل هذا الزخم من المواد الدينية، ومن كل هذا التكالب على دعوة مئات رجال الدين المتطرفين، من الدول المجاورة، ليزورونا ويفرقوا بيننا، قصداً وعمداً. وعشنا طوال أربعين عاماً ونحن نحذر من ترك الحبل على الجرار للجمعيات والمبرات بجمع مليارات الزكوات والأخماس من دون أن نعرف لمن تجمع ولماذا وأين وكيف ستصرف؟ وعشنا نحذّر من كل مسابقات الحفظ، وكل هذا التجييش الديني غير المبرر، الذي ثبت قطعاً أنه لم يساهم يوماً في زيادة المعارف، أو في تقليل التطرف. نعم، عشنا لأربعين عاماً نعترض ونكتب ونتحمل وزر عملنا، ونقاضى عشرات المرات في المحاكم لأننا رفضنا أن نكون مع طرف في المجتمع ضد الآخر، ثم يأتي من يطلب منا أن نثبت ولاءنا ببيان أو كلمة أو خطبة أو مقال، وكأن الولاء أمر يمكن لمسه والتيقن منه بكلمة أو حتى بمحاضرة.
وطني فوق كل شيء، فإن ضاع، كما حدث في الأشهر السبعة من عام الاحتلال، أصبحنا جميعاً أيتاماً بؤساء.
لست معنياً شخصياً ومباشرة بقضية العبدلي ولا بحادث مسجد الصادق، ولا بأي خيانات وطنية أو أمنية أخرى، بقدر تأثيرها على أمن هذا الوطن الجميل، وما عدا ذلك لا يعني الكثير لي، لأن إيماني بوطنيتي وبحبي لهذا الوطن لا يمكن أن يزعزعه تفجير أو حكم قضائي، أو تآمر من هذه الفئة أو تلك، فهذه كلها أمور متوقع أن يتعرض لها هذا الوطن الصغير المحاط بكل هذه القوى الأكبر منه والطامعة في ما يهنأ به من طيب العيش.
إن كل هذا الاستقطاب الطائفي، واحتماء كل فريق بأرضه، ما كان ليحدث لو كنا جميعاً قد تربينا أو تعلمنا أو ربينا أبناءنا وعلّمنا أنفسنا أن نضع الوطن فوق كل شيء وليس الطائفة، ولما كانت هناك حاجة لصدور بيان من هذا الفريق وآخر من المضاد له، كلما وقع حادث أمني أو خيانة أو تخريب يخص فريق ما من المجتمع، يعلن فيه تمام الولاء للوطن والأمة والسلطة. فمهما كتب أي فريق، فسيجد من يأخذ عليه ما كتب أو يعيب عليه تجاهل أمر أو آخر.
خففوا الجرعات الدينية، وقللوا من التطرف المذهبي، وعمّقوا الولاء والحب للوطن، وقفوا جميعاً خلف القيادة، وادفعوا الدولة للعلمانية، لعلكم تفلحون.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top