الشريف والقرارات التعسفية


لم أكتف، قبل كتابة هذا المقال، بمعرفتي بالدكتور الإنسان عبداللطيف السهلي، بل قمت بالاتصال بعدد من زملائه وأصدقائه، فأكد الجميع أن الرجل استثنائي في محبته لوطنه وإخلاصه لعمله.
هذا الرجل الإنسان تعرض لمحنتين، ما كان يجب أن يتعرض لهما، أو على الأقل للثانية منهما، لو كانت الأخلاق، والإخلاص، ضمن معايير تقييم عمل الموظف المدني، ولو كانت هناك محاسبة للمسؤولين الكبار على أخطائهم الجسيمة.
قام وزير الصحة السابق، د. علي العبيدي، فور توزيره، وبطريقة تعسفية وغير مبررة إطلاقا، بإنهاء خدمات د. السهلي، وإحالته على التقاعد. لم يرض الرجل بالقرار، ورفع قضية «تظلم» على الوزير، دفاعا عن حقه وسمعته ولوضعه كمحترف وإداري ومواطن.
أثناء نظر القضية، قامت الحكومة الرشيدة، وفي تعديل وزاري، بإنهاء توزير د. العبيدي، وغالبا لأن سمو رئيس مجلس الوزراء لم يكن راضيا عن أدائه.
سارت قضية د. السهلي في أروقة القضاء، ومرت على مختلف درجات التقاضي، وصدر حكم من التمييز بإعادته لوظيفته، معززا مكرما، فما حصل معه لم يكن تصرفا حصيفا ولا قانونيا!
إلى هنا والقصة تتكرر في كل مكان، لكن الطريف أو المحزن، أن الدراما بدأت مع إعادة تعيين د. العبيدي، الذي سبق ان ابعد عن الوزارة، ربما لعدم كفاءته، أعيد لنفس المنصب في تشكيلة وزارية جديدة، وكان أول قرار يتخذه هو «إعادة» إحالة
د. السهلي على التقاعد! وهنا أيضا لم يقبل د. السهلي بالقرار فقام بالتظلم أمام القضاء!
عفس الوزير الدنيا في وزارته، وفي عهده، صرف أكثر من ملياري دولار على العلاج في الخارج، في أكبر عملية هدر أموال من نوعها في تاريخ الكويت. كما حصلت تجاوزات خطيرة في عهده الثاني، لا نزال ندفع تبعاتها حتى اليوم ولسنوات قادمة، فما كان من الحكومة الرشيدة والموقرة إلا الاستغناء عن «خدماته»، وإخراجه من الوزارة.
بعدها بفترة قصيرة صدر حكم محكمة التمييز (للمرة الثانية) بخطأ إحالة د. السهلي للتقاعد، لعدم استناد قرار الإحالة لأي سند قانوني!
والآن، من الذي سيدفع للدكتور السهلي كل ما صرفه من مال وتكبده من جهد، في المرتين، على المحامين، وكل ما لحق به من معاناة وقلق؟ من سيطمئنه، وغيره بأن هذا الفصل أو الإحالة التعسفية، من كبار موظفي الدولة، لن يتكرر، وإن تكرر سيحاسب المسؤول عنه؟
كيف يمكن أن يقبل أي إنسان شريف إحالته على التقاعد، مرة أو مرتين، وتحكم المحكمة في المرتين بإعادته لوظيفته، وتشغل درجات التقاضي، وأروقة المحاكم ست مرات بقضية ما كان يجب أن تعرض عليها، ولا يحاسب المسؤول عنها، ولو بكلمة؟
إن ما حدث للدكتور السهلي يجب ألا يتكرر، فقد كان بحجم الجريمة في حقه، وقبل ذلك في حق وطنه.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top