المرأة في التراث (1 ــ 2)

تساءل الدكتور والكاتب خالد منتصر عن سبب تأخر ظهور مارتن لوثر إسلامي، ليقوم بتعليق احتجاجاته على جدار المسجد، ويترجم القرآن إلى لغة الناس، ولهجة الوطن، وليخرج الدين من احتكار البعض له من تجار العقيدة؟
ربما يعلم الزميل، ولكنه اختار السكوت، بأن المقارنة هنا ليست صحيحة، فالإسلام ليس كالمسيحية. وما كان ممكناً للمصلحين القيام به قبل 600 عام، ليس ممكناً إسلامياً، ولن يكون. فمارتن لوثر لم يترجم أو يغير في كلام مُنزَّل بل غيَّر في كلام مقدس، والفرق كبير! بينما في الإسلام.. القرآن نص منزَّل، وبالتالي أي كلام يتعلق بإعادة تأويل أو تفسير نصوصه، بخلاف ما سبق أن «استقر» الأمر عليه، لن يعدوا أن يكون مضيعة للوقت. كما أن كل محاولات التطوير والتجديد التي سبق أن نادى بها المهتمون بدراسة القرآن، أمثال محمد شحرور، سيكون مصيرها التجاهل. وبالتالي فإن الحل ليس في تطوير ما هو صالح لكل زمان ومكان، بل في أن يعطى هذا الدين حقه ومنزلته الصحيحة، ويكون ديناً بين الإنسان وربه، من دون وسطاء، فلا كهنوت في الإسلام. وأن يبقى ضمن رسالته المقدسة كونه ديناً أنزل للعالمين، ولا شأن للحكومات ورجال الدين به، وهكذا نعطي ما لله لله وما للدولة المدنية للدولة المدنية.
كان لا بد من هذه المقدمة قبل الدخول في موضوع المرأة في التاريخ الإسلامي وفي العصر الحديث، بعد العاصفة التي أثارتها قيادة تونس بضرورة إعطاء المرأة حقوقاً ترفض غالبية الدول الإسلامية الإقرار بها. علماً بأنه من التعسف القول إن المرأة، طوال تاريخنا القديم والحديث، لم تتعرض لأبشع أنواع الاستغلال، وسوء المعاملة، والعنف، والحرمان من كل حقوقها، كالزواج بمن تريد، وتلقي التعليم، والحق في العمل، هذا غير معاناتها من عدم المساواة في الأجر والترقية، والبهدلة في المحاكم، إن هي أرادت الحصول على أبسط حقوقها في النفقة ورعاية الأبناء!
وحدها المرأة التركية، وبجهود فرد واحد، حصلت على المساواة الكاملة، وإن كانت لا تزال تعاني في الأرياف. إلا أن إصلاحات أتاتورك كانت هائلة لم نجد ما يماثلها في بقية العالم الإسلامي، إلا في تونس، وإن كانت محدودة.
فقد ساهمت إصلاحات الزعيم التركي مصطفى كمال في دخول المرأة إلى المجالات العامة مع إعلان الجمهورية التركية في 29 أكتوبر 1923، وما زامن ذلك من قطع كل صلة بالإمبراطورية أو الخلافة العثمانية. ففي مارس 1924، بدأت الفتيات في تلقي تعليمهن بمساواة مع الذكور. وصدرت مختلف القوانين بعدها، التي فتحت طريق السياسة أمام المرأة في التصويت. وفي فبراير 1936 فازت 17 سيدة بعضوية مجلس النواب، وحصلت على حقوقها قبل دول أوروبية شهيرة كفرنسا وسويسرا. كما اختيرت مفيدة الهان أول رئيسة بلدية، وفي 1971، عُينت توركان أكيول في منصب أول وزيرة. وفي 1993 أصبحت طانسو تشيلر أول رئيسة وزراء، وعلى مدى أكثر من 70 عاماً تمكنت 236 امرأة من دخول البرلمان. وفي فبراير 1926، تم إلغاء الترتيبات المتعلقة بتعدد زواج الرجل والطلاق من طرفه فقط، وصُدق على القانون المدني التركي المعروف بحق المرأة في الطلاق، والحضانة، والتصرف في أموالها. كما حصلت المرأة التركية عام 1930 على حقها في إجازة الوضع، التي تعد من أهم المشاكل التي تواجه النساء في الدول المتخلفة. وفي عام 1965 طبق قانون تحديد النسل، الذي ترك الحرية لتوزيع وبيع وسائل منع الحمل، وحق الإجهاض عند الضرورة الطبية. وفي 1966 صدقت تركيا على اتفاقية منظمة العمل الدولية، التي نصَّت على المساواة في الأجر بين الرجال والنساء.
وقبل الدخول في موضوع وضع المرأة في تونس، نختم هذا الجزء من المقال بالقول إن ما حققته تركيا من تقدم صناعي وثقافي وزراعي، وفي كل مجال تقريباً، لم يحدث اعتباطاً أو عبثاً، بل بسواعد 40 مليون امرأة، فمن الصعب جداً تخيل تقدم تركيا الحديثة من دون مشاركة نسائها ومساهمتهن الحيوية في هذا التقدم، بدعم من كل القوانين الإصلاحية، التي صدرت لمصلحتها على مدى 80 عاماً. ولو فكرت حكومة الرئيس أردوغان اليوم في التراجع عن القوانين المتعلقة بالمرأة، لانهار الاقتصاد. فلا تقدم صناعياً، ولا تطور زراعياً ولا إنسانية حقيقية، ولا أمن وطنياً، ولا حضور دولياً محترماً، ولا كرامة من دون مساواة المرأة بالرجل.

 

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top