أعداء العلم والعلمانية

لا يكره العلمانية إلا جاهل بكينونتها، أو صاحب مصلحة في عدم تطبيقها وازدهارها. فالعلمانية، كما أثبتت تجارب دول كثيرة، أكثر محافظة على الأديان واحتراماً لها من السلطة الدينية ذاتها. فبغيابها يفرض رجال الدين فكرهم وفكرتهم وتفسيرهم فرضاً على الجميع، ويصبح الشعب مسيراً نحو عقيدة واحدة لا خيار له فيها، ولا في ما تعنيه، بل تفرض عليه قسراً، ويساق لدورها عنوة، بالقوة الجسدية أو بالضغوط الاجتماعية، كما رأينا تطبيقات ذلك في دول عدة. وتجارب الدول العلمانية، الغربية غالباً، بينت أن ترك ممارسة واتباع الدين لضمير الفرد وتربيته وميوله، يجعل الإيمان أعمق في النفوس وأكثر صدقاً، وأكثر تجذراً في العقل، مما لو جاءت بالضرب أو بالتهديد من الحرمان الأبوي أو الوظيفي أو المادي.
ومن الأمور البديهية أن الدول الديموقراطيّة ذات الأنظمة الليبراليّة، لا تعادي الأديان، بل تعارض دور رجال الدين في التأثير في المواطنين، وتمنع تدخلهم في السياسة، وفي الدعوة والحث على كراهية اتباع أي دين آخر لا يمثلونه هم، ومنعهم من استخدام العنف ضد أتباع أي مذهب أو دين آخر.
ولو نظرنا لتاريخ العالم في السنوات المئة الأخيرة لوجدنا فشل الدولة الدينية وفشل كل محاولات رجال الدين التصدي للحكم، حتى من وراء الستار، وإن كان هناك نجاح يذكر للدولة الدينية، فإنه غالباً ما يكون مؤقتاً، ويضمحل مع انحسار سلطة رجل الدين.
ومن الملاحظ أن الشعوب التي رضيت بتحكم رجال الدين في مقدراتها كان سهلاً عليها القبول بالاستبداد السياسي. فالأولى غالباً ما تمهد الطريق للثانية، وتجعلها «شرعية» ومقبولة، وما ينتج عن هذا التسلط من فراغ ثقافي وسياسي يؤدي بالتبعية لتخلف المجتمع وتحوله لقطيع، وإسكات الصوت المعارض الذي لا ترغب السلطة أو رجل الدين في سماعه!
إن العلمانية هي التي أتاحت وصول مسلمين لمناصب وزراء وسياسيين متنفذين كبار في مختلف الديموقراطيات العلمانية، كبريطانيا والسويد واستراليا وكندا، وحتى أميركا، وعشرات الدول الأخرى، دون التفات لسابق أعراقهم أو دينهم أو مذهبهم. كما اختارت مؤخراً جمهورية سنغافورة العظيمة، ذات الأعراق والديانات المتعددة، السيدة حليمة يعقوب، زوجة محمد عبدالله الحبشي، المتحدرين من أصول يمنية، رئيسة للبلاد، وهو منصب بروتوكولي، لكنه رفيع، ومجرد وجود سيدة مسلمة فيه يعني الكثير عن مدى تسامح الآخرين معنا، وجمودنا، وقلة اهتمامنا بالأقليات واحترامنا لأصحاب المذاهب الأخرى، دع عنك موقفنا من أتباع الديانات غير المسلمة، الذين ندين لجميعهم بأكبر الفضل في كل ما نتمتع به من رفاهية وصحة وعافية وحرية وعلم وكهرباء وماء وغذاء ودواء ومسكن ومركب..!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top