الشهر النسيء

عندما كنت صغيراً، وبعدها يافعا وكبيرا، كان الفضول المعرفي يدفعني دائماً إلى التساؤل عن سبب تسمية الشهر العربي بـ«الربيع الأول»، وهو غالبا لا يأتي في موسم له علاقة بالربيع؟ وبالتالي، كما هو واضح، فإن ليس لدى من اتبعوا ولا يزالون يتبعون التقويم القمري، تقويم يمكن الاعتماد عليه فلكياً، خاصة أن الوضع لم يكن كذلك أصلا. فقدماء العرب كانوا يعرفون قصور التقويم القمري، وكانوا يُقوِّمُون للسنة «الشهر المقَوّم أو النسيء» وهو شهر زائد يضاف للسنة القمرية كل ٣٢ شهراً لتقويم الاختلاف أو الانحراف السنوي المقدر بـ11 يوماً، مقارنة بالتقويم الشمسي الأكثر دقة. وبذلك كانت الأشهر العربية تبقى دقيقة وثابتة في مواسمها فيأتي الربيع في موسمه وهكذا مع البقية، وهذا كان ينظم الزراعة والتجارة والمناسبات الدينية.
لسبب ما، وبعد الرسالة والخلافة بسنوات، قامت جهة ما بحذف الشهر النسيء، فحدَّثت فأصيب التقويم بفوضى، وارتبك علم الفلك والحساب لدى العرب بعد أن أصبح تقويمهم غير ذي معنى، وصارت الأشهر تلف وتدور على فصول السنة الأربعة ولا تأتي في وقتها الأصلي إلا مرة كل ٣٢ عاماً، علماً بأن شعوبا كثيرة عانت من الأمر ذاته، كالصينيين والهنود واليهود واليابانيين وغيرهم، حيث يقومون كل عام بإضافة بضعة أيام إلى السنة القمرية لتأتي المناسبات في نفس مواقيتها القمرية سنة بعد أخرى، ولا أعتقد أننا بحاجة لقرار دولي لنعيد إضافة الشهر النسيء للتقويم، خاصة أنه سيعدل أموراً كثيرة، ولا يؤثر في شيء.. تقريباً.
وبالعودة لبعض المراجع عن معاني الأشهر العربية وأوقاتها الحقيقية، تبين أن محرم هو بداية الأشهر الحرم، التي يتوقف فيها الصيد والحرب. أما صفر، فهو الشهر الذي يصبح فيه الفرق بين طول الليل والنهار صفراً!
ربيع الأول، هو بداية الربيع. وربيع الثاني، إذا تأخر تفتح الزهور، وهنا يضاف الشهر النسيء، لكي يعود الربيع، وهذا يقابله عادة شهر مايو.
جمادي الأولى: دلالة على أن هذا الشهر يصادف قدومه بداية جماد الحبوب في سنابلها، وبداية الحصاد.
جمادي الآخرة: إذا تأخر موسم الحصاد، تأخر نتيجة انزياح التقويم بمقدار شهر قمري كامل يضاف الشهر النسيء. أما رجب فيقال في العربية رجب بمعنى عظمة، أي أنه شهر معظم.
شعبان: وسمي كذلك لتشعب البدو الأعراب في البادية طلباً للماء من أجل أنعامهم بعد فصل الصيف الذي استنفد مياه الشتاء.
رمضان: وسمي كذلك من تسمية العرب لأول مطر يهطل بعد الصيف في بداية فصل الخريف، وهو الرمض. وفيه يتساوى طول الليل النهار، عدا منطقتي القطبين.
وسمي شوال لأن العرب لاحظت أن الناقة تشول بذنبها بحثاً عن الذكر في ذلك الشهر دليلاً على دخول موسم تزاوج النوق مع الجمال.
ذو القعدة: سمي دلالة على دخول فصل الشتاء المعروف بشدة الرياح، فيقعد الأعراب، ولا يرحلون.
ذو الحجة: موسم الحج إلى مكة، وفتح الأسواق التجارية وبدء النشاطات الثقافية والاجتماعية.
من كل ذلك نجد أن التقويم العربي القمري، بغير الشهر النسيء، لا معنى له، ومربك جداً لمن يتبعه، وحذفه كان خطأ بحق العرب. ومن المهم العودة إليه، أو قصر استعمال التقويم على المناسبات الدينية.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top