الإنسان.. يا شيخ ناصر
ذكر الشيخ ناصر صباح الأحمد، وهو واحد من أكثر أبناء الأسرة ثقافة واطلاعا، في حفل افتتاح مؤتمر في كلية العلوم، أن الفوائد التي ستعمّ البلاد من وراء مشروع تطوير الجزر ستكون كبيرة، وسيتم خلق 200 ألف وظيفة جديدة، هذا بخلاف الفوائد المالية والسياسية والجغرافية الأخرى.
كل هذا جميل ورائع، ولكن المشكلة تكمن في «ولكن»!
لقد أتعبتنا حكوماتنا، على مدى نصف قرن، بخططها وبرامجها ولجان إصلاح مسارات الدولة الاقتصادية، هذا خلاف تقارير البنوك العالمية. فقد انتهت كل، أو غالبية، هذه الدراسات للسلال. ولكننا سنفترض أن مشروع الجزر سيكون شيئا مختلفا وأكثر جدية من أي مشروع آخر. و«لكن» أخرى تظهر لتقول إن هذا المشروع، المقدر له أن يعطي نتائجه مع 2035، لن يعني الكثير، إن لم يواكبه تطوير في عقلية ونفسية المواطن الكويتي.
صحيح أن مخرجات جامعاتنا لا تؤهلنا للتنافس في عالم اليوم، وأنظمتنا الإدارية مترهّلة، وكل مؤشرات الجودة والتنافسية والحوكمة ومستوى التعليم تقول إننا في ذيل كل قائمة منها، إلا أنني لا أتكلم هنا عن مخرجات التعليم، وإصلاح النظام والمؤسسات التعليمية، وإيجاد طاقم تعليمي جديد ومؤهل، وتغيير وتطوير الإدارة الحكومية لتواكب العصر، فهذه جميعها، على الرغم من أهميتها القصوى، تحتاج إلى إرادة حديدية وقرار قوي، كما سيستغرق تطبيقها جيلا كاملا، ولكني معنيّ هنا بأمر أكثر اهمية وسهولة في التطبيق، ألا وهو التغيير الفوري، في بيئة الإنسان الكويتي. فليس من المعقول وجود كل هذا الزخم من سيل الفتاوى والجرعات الدينية وبرامج زيارات مشايخ الدين من الدول المجاورة، ومسابقات حفظ وتلاوة القرآن وتجويده، التي لم يعرفها الإسلام في تاريخه، وأصبحت فجأة، مع نظام مكافآت سخيّ، بالغة الأهمية، ونقوم في الوقت نفسه بتحريم وجود دار أوبرا أو زيارة مفكر شبه مغمور، ومنع كتب عادية لعدم قبول غلاة المتشددين لها، وتجريم الاستماع لمحاضرة لن يزيد حضورها على العشرين.
فلو استعرضنا دول العالم أجمع لوجدنا أن أكثر الشعوب إبداعا، وحبّا لوطنها، وتفانيا في الدفاع عنه، هي الدول التي تنعم شعوبها بأكبر قدر من الحرية والاحترام.
لا يفيدنا يا سيدي خلق جزر وطرق حرير وهياكل خرسانية ضخمة، إن لم ننجح في خلق الإنسان، المواطن، القادر على التفكير السليم والمالك زمام المبادرة، والذي لا يمكن إيجاده بغير حرية وكرامة.
كيف يمكن ان نفكر في إنسان القرن الحادي والعشرين، وفي مشاريع بمليارات الدولارات وحكومتنا لا تزال تخاف من سماع محاضرة من مفكر مغمور؟
لماذا نخاف، ونمنع، حتى من الكتابة عن ضرورة إباحة أمور أصبح تناولها من بديهيات حياة البشر؟
لماذا نمنع الكتب الجادة والرصينة، ونشجع نشر كتب الخرافات والطبخ، ونستعين بمن يكرر على مسامعنا ما اعتدنا على سماعه منذ ألف عام، ونمنع من يود ان يسمعنا ما يفتح آفاق العلم والنور أمامنا؟
كيف يمكن أن تخلق 200 ألف وظيفة جديدة لمواطنين أصبح إلغاء لجنة هلامية الهدف والمعنى، وبعد 26 عاما من قيامها بفعل لا شيء، أمرا مفرحا بالنسبة لهم؟
قد نجحنا وأبدعنا، بشهادة الجميع، عندما لم يكن هناك نفط ولا مال. ونجحنا وأبدعنا، وأيضا بشهادة الجميع، عندما كان الصرف الحكومي في حده الأدنى، والسبب أن هامش الحريات كان واسعا، ورحبا، وهذا ما نحن في أمسّ الحاجة إليه. ولا نحتاج يا سيدي غير العزم واتخاذ القرار.
الارشيف

Back to Top