ما أسهل الكلام!
أضعنا فلسطين عام 1948، وحلمنا حتى مايو 1967 باستعادتها. وفي يونيو 1967 استيقظنا لنكتشف أن سيناء والضفة والجولان قد ضاعت أيضاً، فنسينا فلسطين، وحلمنا باستعادة سيناء والضفة والجولان، واستمر ذلك حتى ديسمبر 2017، عندما أفقنا فوجدنا أن ترامب قد اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهنا تواضعت كل أحلامنا في إقناع الرجل بالتراجع عن قراره!
باختصار شديد، لا أمل هناك للفلسطينيين باستعادة، أو إيجاد دولة لهم، في الظروف الحالية. كما ليس لليهود من قدرة على القضاء على حلم العودة لدى الفلسطيني، ولا في إسكاتهم، ولا في القضاء عليهم جميعاً.
لست معنياً هنا بالحديث عن وجهة نظر اليهود، وكيف يمكن إقناعهم بالتعايش مع الفلسطينيين، في نظام الدولتين، فهم اليوم الطرف الأقوى، وهم الذي يكتبون التاريخ. وبالتالي أنا معني بالحديث مع، وعن، الطرف الضعيف، والأكثر قرباً لي، وهو الفلسطيني. وهنا لا أعتقد أنه من المجدي بناء مطالبهم بـ«وطنهم» على أسس ونصوص دينية. فالعالم لا يمكن أن يتفهم ذلك. فكما أن للمسلمين، والمسيحيين ضمناً، حججهم ونصوصهم الدينية، فإن للطرف الآخر نصوصه وحججه الدينية التي تؤيد وجهة نظرة، والتي تبين أن الرب يقف إلى جانبه. وفوق ذلك فإن نصوصاً إسلامية عدة تؤيد حق اليهود في العودة للأرض المقدسة، والتي بارك الله لهم فيها.
كما لا أعتقد أنه من الحصافة بناء حق المطالبة على أسس أو وقائع تاريخية. فلكل طرفٍ كتبه ومراجعه ومستنداته وصوره وخرائطه، ونصوصه المقدسة وشهوده. ومن شبه المستحيل التيقن من صحة أي من هذه المراجع، أو تحديد لمن تعود تلك الأرض، بناء على ما ورد فيها، والتاريخ غالباً ما يكون مشوهاً أو مزوراً، في غالبه.
وبالتالي لا يتبقى أمام الفلسطيني، لاستعادة وطنه السليب، إلا حلان:
الأول: الكفاح المسلح، وليس الجهاد، فما أخذ بالقوة لا يمكن أن يسترد بغير القوة. لكن القول سهل والفعل صعب، ولا مجال أصلاً للمقارنة بين قوة الطرفين، حتى لو وقفت الدول العربية مجتمعة، بأوضاعها الحالية، إلى جانب الفلسطينيين.
ولو أجري استفتاء بين الفلسطينيين لمعرفة رأيهم في مسألة الكفاح المسلح، فلا ضمان من أن الأغلبية ستقبل بدفع ثمن لا محدود من أجل العودة، خاصة إن تضمن ذلك التضحية بالنفس والبنت والمال والدم والولد، وفي معركة غير مضمونة العواقب.
وبالتالي لا يتبقى أمام الفلسطينيين غير طريق واحد لاستعادة، أو انتزاع، وطن لأنفسهم، وهو الطريق نفسه الذي سلكه اليهود الصهاينة قبلهم، والذي استغرق 120 عاماً، منذ المؤتمر الصهيوني العالمي الذي عُقد، بقيادة هرتزل، في بازل عام 1897.
التنظير سهل، ووضع الحلول أكثر سهولة، لكن الفعل صعب، والإصرار عليه أكثر صعوبة. فسلوك هذا الطريق يتطلب أولاً من الفلسطينيين، كشعب، أن يكونوا متحدين، فهل هم كذلك؟!
كما يجب أن يكون الفلسطينيون كافة، مسلمين ومسيحيين، على الدرجة نفسها من المواطنة، فهل هم حقاً متساوون؟!
كما أن تحرير فلسطين بحاجة إلى الحرية وإلى العلم، والديموقراطية، وهذه جميعها لم يعتد عليها الفلسطيني، ولا عرفها غالبية العرب، فهل التغيير ممكن؟!
كما يتطلب الأمر التضحية، وبذل الكثير، والإيمان الصادق بأن الأرض أغلى بكثير من العِرض، وليس العكس، كما رددوا لأكثر من سبعة عقود، فهل هم على استعداد لذلك؟! وبالمناسبة، هل تذكرون اعترافات وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني؟
إن استعادة فلسطين ليست نزهة، بل يجب أن تكون هدفاً مقدساً، تتلاشى أمامه كل الأهداف الأخرى، فهل الفلسطيني على استعداد لبذل الجهد والعرق والمال والدم والتضحية، والأهم من ذلك العمل بصمت والتحلي بالصبر، من أجل العودة؟! الجواب ليس عندي. وفي ظل انعدام الديموقراطية وحرية الرأي في جميع مجتمعاتنا، فإنه ليس عند أحد أيضاً..!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top