جرس رودريغو
قامت الزميلة إقبال الأحمد بحركة ذكية في موضوع أزمة العمالة الفلبينية في الكويت، وقرار الرئيسي الفلبيني رودريغو دوتيرتي، منع مواطنيه من السفر والعمل فيها، وما تسبّب فيه ذلك من إساءة الى سمعتنا خلال انعقاد مؤتمر دعم وإعادة بناء العراق. حيث قامت الزميلة إقبال، ومن خلال عدسة قناة العربية، ووسائل التواصل الاجتماعي، بالطلب من الفلبينيات العاملات لديها للحديث، بكل حرية، عن تجاربهن في الكويت وما يشعرن به من أمان واستقرار فيها، وانهن أمضين عقوداً عدة من العمل في الكويت من دون مضايقة أو شعور بالظلم. وطلب من الآخرين أن يحذوا حذوها.
طبعاً صورة العمالة الفلبينية وغيرها في الكويت ليست بطبيعة الحال بتلك البهجة والمثالية، أقول ذلك وحبي لوطني وغيرتي على سمعته لا يقلان عن حب أي مواطن آخر وغيرته، ولكن يجب أن نبيّن الأمور البسيطة التالية:
أولاً – الكويت دولة من العالم الثالث، وغالبية، إن لم يكن كل، ما يجري فيها ليس مثاليا، فكيف يكون تعاملنا جميعا مع الخدم مثاليا، أو حتى قريبا من ذلك؟
ثانياً – أكثر من ثلثي سكان الكويت هم من الوافدين، وأي إساءة إنسانية تصدر عنهم الى من يعمل لديهم تحتسب على الكويت، شئنا أم أبينا. فالقتيلة الفلبينية كانت تعمل لدى أسرة لبنانية هربت من الكويت قبل فترة، والكويت، وليس تلك العائلة، هي المتهمة هنا.
ثالثاً – الكويتيون ليسوا متجانسين، لا عرقيا ولا تعليميا ولا ثقافة. كما أن بينهم نسبة لا بأس بها من الأميين، وبالتالي لا يمكن أن يكون الجميع متجانسين في تعاملهم مع العاملين لديهم، وخاصة من الخدم، وهذا يسري على غيرهم.
رابعاً – القول إن لدينا قضاء عادلا لا علاقة له ــــ غالبا ــــ بمشاكل العمالة، فالقضية هي في كيفية تعامل كثير من الأجهزة الأمنية مع اصحاب هذه الفئة، وعدم توفير مترجمين لهم في المخافر، عند تقديم شكاواهم ضد من يعملون لديهم، وفشل الأجهزة الحكومية في توفير مناطق إيواء إنسانية لهم، وتأخير ترحيلهم لبلدانهم، بعد دفع مستحقاتهم المالية، والتسويف المخلّ بالإنسانية في ما يتعلق بحقوقهم المالية.
خامساً – يجب أن نستغل هذه الأزمة، الخطيرة ضمن نطاقها، لترتيب علاقتنا الإنسانية مع هذه الفئة، وأن تكون الاجهزة الأمنية أكثر إنسانية مع ما يردها من شكاوى الاعتداء عليها، وأكثر حزما مع المتهمين بالاعتداء، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين.
سادساً – على الحكومة التفكير جديا في نقل مسؤولية الإشراف على العمالة المنزلية لوزارة الشؤون، وإبقاء شؤون غيرهم مع «الداخلية».
سابعاً – يجب على الأجهزة الحكومية التعامل بحزم مع أي شكاوى تتعلق بتوقّف المؤسسات أو الشركات عن دفع رواتب عمالها؛ بحيث لا يتجاوز التأخير شهرا، مع إعفائهم من اي غرامات تتعلّق بظروف إقامتهم، أو بسبب حجز رب العمل جوازات سفرهم. ويجب الفصل بين عدم تسلّم المقاول مستحقاته من الجهات الحكومية، وما يجب عليه دفعه من رواتب لعماله، ورفض استخدام المقاولين لإضرابات عمالتهم كأداة ضغط على الحكومة، للتسامح مع مخالفاتهم. وما تقوم به وزارة الشؤون من توفير لمراكز إيواء مؤقتة للعمالة لا يكفي لأن هؤلاء بحاجة الى رواتبهم لإرسالها الى ذويهم، الذين لا معيل لهم غير من يعملون لدينا، فدولة القانون والإنسانية التي نحب أن نتغنّى بها ليست مجرد قوانين ومبان ومحاكم ومخافر، بل يجب أن تكون دولة مواقف وتصرّفات ووعي بحقوق هؤلاء، والتضامن معها، وليس الاكتفاء بالشفقة عليهم وطلب الرحمة لهم. فممارسة العدالة منا جميعا أهم من النصوص، فالعامل أو الخادم لا وقت لديه لانتظار صدور الأحكام لمصلحته، فهو يريد عدالة فورية، وهذا من ابسط حقوقه.
وأخيراً، قد تكون للرئيس الفلبيني حساباته وأسبابه في تركيزه على الكويت فقط، والشكوى من معاملة مواطنيه فيها، ولست معنيا هنا بمعرفتها، ولكن أتمنى أن تكون هذه فرصة لتحسين وتطوير تعاملنا مع هذه الفئة التي تجعل حياتنا أكثر راحة وجمالاً، وهي تستحق بالفعل، من واقع تجربة تشمل العمر كله، تعاملاً إنسانياً أفضل.

أحمد الصراف
الارشيف

Back to Top