العالم الكافر والمفيد

يعتبر عالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينغ نموذجاً بشرياً فريداً من نوعه في التاريخ الإنساني، واسقط من دون قصد منه مقولة «العقل السليم في الجسد السليم»، فقد كان بلا جسد تماماً لأكثر من ثلثي عمره.
يقول الزميل محمد الهاشمي ان نيوتن واينشتاين كانا من أبرز العلماء مساهمةً في الفيزياء والرياضيات والثورة العلمية الحديثة، وكانا أيضا في كامل قواهما العقلية والجسدية حتى آخر لحظات حياتهما. فقد نشر نيوتن الطبعة الثالثة من كتابه «الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية» لمعظم مبادئ الميكانيكا الكلاسيكي، والجاذبية في 1726م، ببضعة أشهر قبل وفاته. وكان آينشتاين يُدرس ويُصيغ المعادلات الفيزيائية وهو على فراش المرض في 1955. أما ستيفن هوكينغ فمعظم أبحاثه واكتشافاته حول فيزياء الكون و«الثقب الأسود»، قام بها وهو مقعد مصاب بالشلل التام، لا يتحرك ولا يتكلم ويقوم بحل واستنباط المعادلات ذهنياً بطريقة مُذهلة تفوق العقل الطبيعي للبشر. أصيبَ في 1963 بمرض العصب الحركي أثر في الخلايا التي تتحكم في حركة العضلات الإرادية في الدماغ، وفي الحبل الشوكي، جعل منه مع مرور الزمن مقعدا. توقع الأطباء أنه لن يعيش أكثر من سنتين. ثم أصيب بالتهاب رئوي في رقبته حرمه من القدرة على الكلام. ولم يستجب لمقترحات الأطباء في إنهاء حياته، وكان ذلك أثناء قيامه بتأليف كتابه الشهير «موجز تاريخ الزمن من الانفجار العظيم الى الثقوب السوداء»a brief history of time: from the big bang to black holes، الذي أضفى عليه شهرة واسعة، وتُرجِم إلى العديد من اللغات، من بينها العربية.
حصل هوكينغ على شهادة الدكتوراه في الفيزياء النظرية والرياضيات التطبيقية في 1966م، وهو ابن الـ24 عاماً، وبتخصص في النظرية النسبية العامة وفيزياء الفضاء. ونالت اطروحته «جائزة آدمز» adams prize، وهي من اكثر الجوائز اعتباراً في مجال الرياضيات، تمنحها جامعة كمبردج سنوياً، وكانت الاطروحة حول الوصف الهندسي للزمان والمكان في الثقوب السوداء الضخمة.
مع مرور الوقت أصيب بشلل تام في الأطراف العلوية والسفلية وفقد القُدرة على استخدام أصابعه لطباعة الكلمات، ومن ثم فقد ارتباطه بلوحة مفاتيح الأحرف على الشاشة، وطور العلم له نظاماً يسمى acat، يتحرك فيها المؤشر بشكل تلقائي على احرف مرتبة عمودياً وافقياً على شاشة الحاسوب، ويقوم ستيفن هوكينغ بتوقيف المؤشر على الحرف المختار بتحريك عضلة الخد، الذي بدوره يؤثر في المفتاح المثبت في إطار نظارته بواسطة الأشعة تحت الحمراء، بالتقاط حركة عضلة الخد بواسطة الأشعة تحت حمراء، ليوقف المؤشر على الحرف المختار في لوحة المفاتيح على الشاشة، وبذلك يتمكن من كتابة الكلمات والجُمل وتحويلها الى صوت خطابي. لكن المشكلة في هذه التقنية هو البطء في كتابة الكلمات، هذه الطريقة تمكنه من التواصل بكلمة او كلمتين فقط في الدقيقة، وأصبح أسرع قليلاً.
أثبت هوكينغ أن الثقوب السوداء تصدر إشعاعاً على عكس كل النظريات المطروحة آنذاك؛ وسمي هذا الإشعاع باسمه، وهي أول محاولة لربط فيزياء الأجسام العظيمة، كالأرض والشمس والمجرات، بفيزياء الكم المطبقة على الجسيمات المتناهية في الصغر كنواة الذرة والإلكترونات والبروتونات، وهو إنجاز لم يتمكن العالم العبقري آينشتاين، وعلى مدى 30 عاماً، من تحقيقه.
ومن أقوال هوكينغ: أريد الاستمرار في الحياة، لا لغرض العيش بحد ذاته، وإنما للسمو بإنجازات علمية وكتابات ومحاضرات أكثر، وحتى أكون مصدر أمل وإلهام للمعاقين حول العالم.
ويقول إن في الكون 100 مليار مجرة، وكلاً منها يحتوي على مئات الملايين من النجوم، فمن غير المرجح أن الأرض هي المكان الوحيد حيث تطورت الحياة فيه، كما يعتقد أن الشمس سوف تفقد طاقتها بعد 10 ملايين سنة، معلناً أن ذلك سوف يكون نهاية الحياة على الارض. وألّف عددا كبيرا من الكتب العلمية المتضمنة نظرياته، كما نشر مئات الأوراق العلمية، ومع ذلك هناك قلة من العلماء ممن يستطيع التشكيك في نظرياته او التشكيك في أنه من أعظم علماء الفيزياء النظرية بعد العالم العبقري ألبرت آينشتاين. هو فعل كل ذلك، فماذا فعلنا؟ اكتفينا بتسميته كافرا وملحدا وزنديقا!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top