عدِّل نفسك.. فأنت لست النموذج

كتب الزميل سامي كمال الدين مقالا طريفا ومنطقيا قبل سنوات، تحت عنوان «أنا النموذج»، نقتبس منه موضوع مقالنا هنا.
كلنا يعتبر نفسه هو «النموذج» أو المثال الأعلى، سواء في أمور الدنيا أو الدين. فما يقوم به، عن قناعة.. أو جبراً، هو الصحيح. كما نعتقد أن القواعد النفسية والأخلاقية العامة التي نتبعها هي الأفضل. فإذا كنا نقود مركبة مثلا وكانت أمامنا مركبة يقودها صاحبها ببطء فإننا لا نتردّد في وصفه بالبليد، أو الخائف! وإذا تجاوزتنا سيارة مسرعة فإننا نصف سائقها بالمتهور! والسبب أننا نعتبر أنفسنا، أو السرعة التي نقود بها هي «النموذج»، الذي يجب أن يُقاس عليه سائر الناس، فمن زاد علينا فهو من أهل الإفراط ومن نقص عنا فهو من أهل التفريط.
كما أننا نصف من ينفق أمواله بالطريقة التي نقوم بها فهو في نظرنا شخص «معتدل كريم»، فإن زاد في صرفه عنا فهو مسرف، وإن قلل فهو بخيل. كما نصف من يملك ما يشبه جرأتنا بأنه عاقل، فإذا زاد فهو متهور وإذا نقص فهو جبان. ولا نكتفي بهذا النهج في أمور الدنيا بل نوسّعه حتى يشمل أمور الدين؛ فمَن عبد عبادتنا فهو من أهل التقوى، ومن كان دونها فهو مقصّر، ومن زاد عليها فهو متزمّت. ومن كان من ديننا فقد أمن عذاب النار، ومن كان من غير ملتنا فقد ضمن لنفسه النار، فعقيدتنا هي «التيرموميتر»، الذي نقيس به «إيمان» الآخرين أو «كفرهم». وبما أننا جميعًا نتغيّر بين وقت ووقت وبين عمر وعمر، فإن هذا المقياس يتغيّر باستمرار. فربما مَرّ علينا زمان كنا نصلي فيه، وكنا نشعر بالأسف أو الشفقة على مَن يفوّت الصلاة ونراه مقصّراً. ثم يحدث أن نترك الصلاة مثلاً وهنا يصبح من يؤديها متخلّفاً أو جاهلاً، فنحن النموذج دائماً.
وبالتالي، علينا ألا نظن أو نعتقد أن مقياس الصواب في الدنيا ومقياس الصلاح في الدين هو الحالة التي نحن عليها، والراضون عنها، فرُبّ وقتٍ مضى رضينا فيه عن أنفسنا ولم نرضه لغيرنا، وبالتالي علينا إصلاح ذاتنا.
وفي السياق نفسه، انتشر على وسائل التواصل إعلان تثقيفي بُثّ على إحدى القنوات المصرية، وصف بأنه الأفضل من نوعه، يظهر سيدة تقود مركبة وتتحدث في الهاتف النقال مع صديقتها، شاكية بانفعال بأن سائق السيارة التي تقف بجانبها على الإشارة يضع طفله في حضنه من دون اكتراث، وفي غمرة انفعالها تنحرف سيارتها وتكاد تصطدم بسيارة أخرى، التي يخرج سائقها رأسه من الشباك مؤنباً إياها على مخالفة القانون والتحدث في النقال، غير مدرك أنه في الوقت نفسه غير مرتد حزام الأمان، وهكذا كل سائق يلوم غيره على مخالفة مرورية يرتكبها غير مدرك أنه هو ايضا مخالف لقانون مرور آخر.. وهكذا. وبالتالي، فالمأساة التي نعيشها تكمن في أن لا أحد منا يعتقد أنه المشكلة، أو حتى جزء منها، بل المشكلة تكمن في تصرّفات الآخرين، وهذا يعيدنا إلى أن مشكلة المرور أخلاقية وثقافية قبل ان تكون طرقا واسعة وجسوراً وعقوبات مشدّدة..
* ملاحظة: أرسل النائب السابق رجا حجيلان المطيري تعليقاً طريفاً تعلّق بصحة تسمية منطقة الشدادية، التي أصبحت شهيرة بعد إقامة جامعة الكويت ومنشآت أخرى فيها، وذكر أن الاسم الصحيح هو «الكدادية» نسبة إلى الكداد، وهي نبتة صحراوية مفيدة، ولكن يصعب على الجمال تناولها بسبب شوكها؛ لذا يتم حرقها بطريقة خفيفة ثم تقدّم لها. وطالب بتعديل تسمية المنطقة، ونحن معه في ذلك.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top