مؤامرة القضاء على البعوض

لا شك في أن هناك عزوفاً متزايداً، لدى الشباب من الجنسين، عن القضايا الدينية. يقابل ذلك ميل نسبة أقل نحو التشدّد الديني، والسبب يعود في جزء منه لكمّ الفتاوى والفتاوى المضادة، وغير المنطقية في غالبها التي تطرق أسماعهم كل يوم، والتي يعاد نفض الغبار عنها، وبثّها على مختلف وسائل الإعلام، ومنها رضاعة الكبير، وأكل جزء من لحم المرأة حية حال الجوع القاتل، بدلا من تركها للمغتصبين مخافة الهلاك، وقتل تارك الصلاة، وصحة الحمل على ثلاث وأربع وخمس سنوات من بعد غياب الزوج أو موته، وحرقها بعد وطئها وغير ذلك الكثير، والتي اصابتهم بصدمة رمت بهم في الجانب الآخر، خاصة بعد أن اكتشفوا حالة الزيف والخداع في كثير من شعارات المتديّنين، وبالذات قادتهم.
كما تعود حالة التشرذم الفكري والديني التي أصابت قطاعات كبيرة من الشعوب الإسلامية إلى ما يسمعونه من قصص تآمر الغرب علينا، وتلاعبهم في عقولنا وحتى في أدويتنا وأغذيتنا، بحيث أصبحت مواليد الإناث مؤخرا في «بلداننا العربية الإسلامية الفريدة» أكبر من مواليد الذكور، وهذه مؤامرة على مستقبل دولنا، وكأنّ لنا مستقبلا أصلا، أو كأن النساء لا يصنعن المستقبل.
هذا الاستخفاف وهذا الاحتقار لعقولنا هما اللذان دفعا الكثيرين للابتعاد عن العقائد، خاصة مع زيادة وتيرة وانتشار المقابلات والأحاديث المتعلّقة بالإعجاز العلمي ونتائج التداوي بالأدوية الدينية، والمياه المقروء عليها، وغير ذلك من أمور يصعب تصديقها. وبالتالي فإن هذا العزوف، كما يقول عادل نعمان في الأخبار الإلكترونية، هو نتيجة الحيرة بين تغليب النزعة الإنسانية، والقيم الروحية الراقية، وروابط المحبة والتواصل والرحمة الغالبة على فطرة الإنسان، وبين العنف والقسوة والقتل والذبح والنحر والنسف والدهس التي اعتنقها وأيّدها، وعمل بها كثير من الذين يدعون الناس إلى الإيمان قوة واغتصاباً.
نمهّد بكل ذلك للمثال الحي التالي الذي يفنّد بقوة لا مثيل لها كل سخافات تآمر الغرب علينا.
معروف ان الدول الأفريقية هي الأكثر فقراً، وهي غالبا الأكثر فساداً، وأيضا الأكثر غنى بالمعادن المهمة للصناعات الغربية الحيوية. ومع هذا نجد أن الغرب، وليس غيره، هو الأكثر اهتماما بنهضة أفريقيا، وتقديم المساعدات لها.
ففي أفريقيا يموت سنويا عشرات الآلاف، وأحيانا مئات الآلاف، نتيجة إصابتهم بالأوبئة المستوطنة. ففي جمهورية وسط افريقيا فقط كان يموت يوميا ألفا طفل رضيع بالملاريا التي تسبّبها البعوضة!
وفي عام ٢٠٠٧ بدأت بريطانيا جهودا للقضاء على هذا المرض، ولكن إمكاناتها كانت محدودة، وبسبب ذلك قام رئيس وزرائها، كما يقال، بعرض أرقام الضحايا على الملياردير بيل غيتس، فهاله الوضع وتعهّد بالتبرّع بمبلغ ثلاثة مليارات دولار للصرف على أبحاث مختبرية للقضاء على هذا المرض القاتل.
واليوم، وبعد 11 عاما، توصّل العلماء الى إنتاج لقاح vaccine بإمكانه وقف نسل البعوض والقضاء عليه تماماً، كما ورد في تغريدة للباحث الكويتي الجاد محمد قاسم.
والسؤال: إن كانت حكومات الغرب تتآمر على الدول الأفريقية، فلماذا تهتم بصرف المليارات على صحة مواطني هذه الدول؟
وماذا فعلت الدول العربية النفطية من أجل أفريقيا؟
هل نجد أجوبة لدى المؤمنين بنظرية المؤامرة؟

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top