وجهة نظر في مسابقات الحفظ


إضافة جهات رسمية وشعبية تقيم مسابقات حفظ القرآن سنوياً؛ فقد أعلنت أخيراً وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عن قرب إقامة مسابقتها الدولية في «حفظ القرآن وقراءاته وتجويد تلاوته»، والإعلان عن مجموعة من المناقصات لتزويد الوزارة بحاجات إقامة هذه المسابقة من ديكورات وتجهيزات سمعية وبصرية وفرش قاعات، وطباعة منشورات وكتب وألبومات صور، هذا غير الصرف ببذخ على تذاكر السفر للمشاركين في المسابقة، ومرافقيهم والضيوف، كباراً وصغاراً، وحجز غرف الفنادق لهم، واستئجار سيارات وسائقين لتأمين تنقّلاتهم، وما يتبع ذلك من صرف جوائز للمشاركين، جميعاً تقريباً، ثم ليعود كل إلى بلده أو موقعه من دون أن نضيف شيئاً حقيقياً لحياتنا، أو نقدّم حلاً لمشاكلنا.. وما أكثرها!
القرآن وجد قبل 1400 عام، وسيبقى إلى الأبد، ولم يكن سبب بقائه مسابقات حفظ وتجويد الناس له، يوم لم تكن هناك مطابع ولا آلات تصوير أو نسخ، وبالتالي فحفظه الآن من قبل مجموعة من الأفراد كل عام والزيادة الطفيفة في أعداد هؤلاء لم ولن يعنيا شيئاً، خصوصاً أن المسابقة الدولية، ومئات المسابقات التي سبقتها لم تتطرّق إلى موضوع فهم القرآن، بل فقط حفظه، وصمّه.. والسلام عليكم ورحمته.
أريد بالفعل قيام طرف بالتبرّع لشرح فائدة إقامة مثل هذه المهرجانات والمسابقات لشعوبنا، المتخلّفة أصلاً في كل ميدان؟
أعتقد، وقد أكون على خطأ، بأن الهدف الوحيد من كل هذه الزوبعة هو ما يستفيده «أصحاب الفكرة» مادياً من إقامة هذه المهرجانات أو المسابقات، طالما أن الجميع تقريباً متفق على أننا لم نحقّق أي تقدّم يذكر، خلال السنوات الخمسين الماضية، وفي أي مجال، من زيادة عدد الحفظة بيننا، وزيادة الخلافات في الوقت نفسه بيننا، على الأقل على معاني ما تم حفظه.
إننا بحاجة إلى التركيز أكثر على القراءة والفهم، وليس الحفظ، فنحن بحاجة بالفعل إلى أطفال يفكرون ويبدعون ويبتكرون أفكاراً علمية جديدة، وليس الاكتفاء بحفظ النصوص.
إننا بحاجة إلى فهم السبب في معارضة معظم رجال الدين لأي قراءات أخرى، وفي مختلف الميادين العلمية، وعدم تشجيعهم القراءة خارج نطاق الكتب الدينية. وكان الشيخ المثير للجدل محمد متولي يقول إنه خلال ثلاثين عاماً لم يقرأ شيئاً غير النصوص الدينية!
نحن بحاجة إلى بناء المساجد، ولتكن الأجمل والأكثر فخامة وضخامة، ولكننا بحاجة أكثر لأن نجد عملاً ومصدر رزق لعشرات آلاف المتسوّلين حول هذه المساجد، الضخمة والفخمة.
إننا بحاجة إلى بناء آلاف المستشفيات في دولنا، والأمراض والأوبئة تأكل في أبناء المسلمين في عشرات الدول الفقيرة، نحن بحاجة إلى بناء عشرات آلاف المدارس والكليات والمعاهد، ولو نصف العلمية، بعد أن فتكت الأمية بأرواح المسلمين وحطمت نفسياتهم وجعلتهم أذلة خانعين يبحثون عن الأمان والمأكل والمأوى لدى الغير، هرباً من جحيم دولنا، حتى لو أدى بحثهم إلى موت نصفهم، فالوصول لجحيم الغرب الكافر، هرباً من جنات الشرق المؤمن، يستحق المغامرة.
إن من يشاركون في مسابقات الحفظ يأتون غالباً من دول فقيرة، وغالباً للفوز بمبالغها النقدية، ولو كان الحفظ يبني لهم معاهد ومدارس ومستشفيات لأقاموا مسابقاتها في دولهم. وبالتالي، من الأفضل صرف مبالغ هذه المسابقات في سد مختلف احتياجات تلك الدول، ودعوتهم إلى حفظ القرآن في دولهم، بدلاً من صرف الملايين على الحل والترحال والضيافة، ليخسر الجميع ولا يربح غير بعض منظمي هذه المسابقات بالحصة الكبرى، وليذهب الفتات كما اعتقد إلى قلة من الحفَظة.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top