عودة إلى عبد الوهاب والاقتباسات
اعترف بأنني فوجئت بحجم الاهتمام، في الكم والنوعية، الذي لقيه مقال «عبد الوهاب.. المسافر مع غيره»، والمتعلق باقتباسات الموسيقار محمد عبد الوهاب وغيره من الألحان الغربية، دون إشارتهم الى ما اقتبسوه، أو حتى الاعتراف بها بطريقة غير مباشرة، وهم هنا يشبهون من يقلّد لوحة أو رواية وينسبها لنفسه. ومن جانب آخر، فإن هذه الالحان، العالمية والغربية في غالبها، كانت ولا تزال متاحة لغير عبد الوهاب من الموسيقيين، ومع هذا عجز غير هؤلاء في أن يأتوا بما أتى به أو بلغه عبد الوهاب وفريد والرحابنة من رفعة ومكانة، وبالتالي فإن الأمر يمكن النظر له من أكثر من زاوية.
بسبب ضيق المساحة، فإنني لم أذكر كل اقتباسات عبد الوهاب في المقال الأول، وزاد عليها قارئ بقائمة أخرى أغاني مثل «يا نايمة الليل وأنا صاحي»، المقتبسة من أوبرا «شمشون ودليلة»، و«يا اللي نويت تشغلني»، التي لحنها الموسيقار الايطالي جوزيبي فيردي، وأغنية «أهون عليك» من أوبرا عايدة لفيردي أيضا، وأغنية «يا دنيا يا غرامي» المأخوذة من فيلم روسي مثلته جريتا جاربو، وأغنية «الحبيب المجهول» وهي للالماني فاغنر، وأحب عيشة الحرية المقتبسة من ألحان بيتهوفن، وعندما يأتي المساء، من أغنية «شيكا شيكا بوم»، ويا دنيا يا غرامي، من الفولكلور الأوكراني، يا اللي نويت تشغلني، للإيطالي فيردي، وأغنية «خي خي» لرحمانوف، وأغنية الحب جميل، التي غنتها ليلى مراد في فيلم غزل البنات، المقتبسة من أوبرا «قصة هوفمان»، وحتى أغنية «أحب أشوفك كل يوم»، القديمة مقارنة بغيرها اقتبست من أوبرا عايدة لفيردي. ويقول قارئ مطلع ان فريد الأطرش تفوق على عبد الوهاب في الاقتباس، لكي لا نستخدم كلمة أخرى أكثر قسوة ودقة. فمن النادر أن نجد أغنية له غير مقتبسة بالكامل أو في جزء كبير منها مثل «ليه تهجرني» المأخوذة من أغنية «فر دي لونا» ver de luna لريتا هيوارث، وأغنية حبيب ألبي ووجداني، الكرواتية الاصل.
كما أن هذه الأسلوب في الاقتباس شمل محمد فوزي في أغنية «يمكن بحبك»، التي غنتها ليلى مراد، وأصلها أغنية «قبلني ثانية» kiss me again، وهي في الاسبانية besami mucho، وكذلك أغنية يا اللي وهبتك حياتي، المأخوذة من الأغنية الفرنسية الشهيرة «جاتندراي».
ويختم الخبير الموسيقي قوله بأن الرحابنة، وهو يقصد عاصي، حيث ان منصور كان يضع الكلمات فقط، بدأ في كتابة الألحان الراقصة، قبل أن يتعمق في الاقتباس. ويتفق صاحبنا معي بأن إيجابيات هذه الاقتباسات المحترفة في نوعيتها وطريقتها تزيد بكثير عن سلبياتها، وإن علينا الاعتراف بأنهم أضافوا شيئا مميزا لتاريخنا الموسيقي، وسيبقى الأثر معنا إلى الأبد. كما يجب ألا ننسى حقيقة أن غالبية هؤلاء الموسيقيين لم يدرسوا أو يتخصصوا أصلا في مجالاتهم، وبالتالي فما قدموه يعتبر بالفعل مميزا.
نختم المقال بحقيقة أن أعظم موسيقيي العصر يبقى سيد درويش، الذي لم ينحصر دوره فيما اضافه للموسيقى العربية، أو المصرية بالتحديد، من تجديد، بل في أصالته، فهو الوحيد الذي ربما الذي لم يلجأ الى الاقتباس.

أحمد الصراف
الارشيف

Back to Top