البغدادي وحسن الصبّاح

أعتقد أنني كنت الوحيد، محلياً على الأقل، الذي أصر منذ اليوم الأول لإعلان البغدادي عن إقامة «الدولة الإسلامية» بأنها نبت ديني سليم، يتفق مع ما عرف عن الشرع، ولا دخل لأي دولة إقليمية أو دولية كانت في تأسيسها. وذكرت في أكثر من مقال أن دولة أو أخرى زوّدتها في مرحلة ما، بالمال والسلاح، ولكن الأحداث المتتالية أثبتت صحة توقّعي، ليس لغزارة فهمي، فلستُ محللا ولا ألمعيا، ولكني قارئ للتاريخ، فلا يعقل أن كل هؤلاء الذين حاربوا في صفوف الدولة الإسلامية، وضحّوا ولا يزالون يضحّون بأرواحهم والتضحية بأسرهم لأن إسرائيل أو أميركا أو حتى إيران طلبت منهم ذلك. كما أن مثل هذه الدولة لم تكن غريبة على التاريخ الإسلامي، ولكن غياب وسائل الإعلام، المرئي والمسموع، وكره المسلمين للتدوين، وغياب المؤرّخين الحقيقيين، طمست تاريخاً مثل هذه الحركات ولم يصلنا من أخبارها إلا الفتات، وربما تكون دولة حسن الصباح، أو حركة الحشاشين الأكثر شبها بمشروع الدول الإسلامية.
ولد الصبّاح في إيران عام 1037م وانتمى للإسماعيلية وهو صغير، وترك وراءه مخطوطات بخطه، مكّنت الدارسين من معرفة الكثير عن حركته، حيث ذكر فيها أنه قرر نشر مذهبه في فارس بعد عودته من زيارة لمصر عام 1078م في زمن المستنصر بالله الفاطمي. واختار بعد بحث مضن «قلعة أَلَمُوت» المنيعة، التي تقع على ارتفاع 2.100 متر، مكانا لإدارة دعوته، انتشر تأثيرها لمناطق مجاورة كثيرة، وبقي في القلعة حتى مات بعد 35 عاماً، من دون أن يغادرها يوما، وكان يرسل منها الدعاة إلى القرى والمدن، فإن فشلوا فإنهم يقتلون الناس ويرتكبون المجازر. وكانت البداية مع نجاحهم في اغتيال الوزير نظام الملك عام 1092؛ ليتبع ذلك سلسلة من الاغتيالات الكبرى التي شملت ملوكا وأمراء وقادة ورجال دين، ولتستمر دعوته بعد وفاته عام 1124، إلى أن احتل هولاكو «قلعة ألموت» عام 1256 وقضى على حركته الإرهابية التي استمرت حوالي القرنين.

* * *
تواجه دولة البغدادي الإسلامية الآن ما يشبه الانهيار، ونهايتها مسألة وقت، فقد بينت تغريدة الرئيس ترامب، التي طالب فيها الدول الأوروبية الكبرى بضرورة استقبال ومحاكمة «الـ 800 داعشي» الأسرى لدى القوات الكردية، الموالية لأمركيا، خطأ كل ما ذكر عن دور الأميركيين في خلق «داعش». فما الذي يمنع ترامب من احتواء هؤلاء الأسرى، أو إفنائهم أو ترحيلهم إلى حيث لن يسمع عنهم أحد أبداً، علما بأن من سيتولى سجنهم بعد التحقيق معهم سيسمع منهم الكثير عن الدولة المسخ.
كما بيّنت رواية «شمينا بيقوم» البريطانية التي هربت لسوريا لتكون «أداة متعة» لمقاتلي الدولة، والتي أصبح لديها ثلاثة أطفال قبل ان تبلغ العشرين، أن من كان وراء هروبها من أهلها في بريطانيا، والانضمام لحركة داعش، هي فكرتها عن الدولة، وليس عملاء إيران أو مخابرات إسرائيل.
ستنتهي هذه الدولة لا محالة، وعلينا الاستفادة من التجربة ومنع تكرارها، وذلك بالنظر جديا في تعديل مناهج المدارس وتطوير الخطاب الدعوي والإعلامي، وإفساح مجال أكبر لحرية القول.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top